الاثنين، 8 نوفمبر 2010

مسابقــــة التحقيق الصحفي المصور

مسابقــــة التحقيق الصحفي المصور
برعاية - جامعة الجزيرة ـ دبي
تعريف التحقيق الصحفي :
يقوم التحقيق الصحفي على خبر أو فكرة أو مشكلة أو قضية يلتقطها الصحفي من المجتمع الذي يعيش فيه ثم يقوم بجمع مادة الموضوع بما يتضمنه من بيانات أو معلومات أو آراء ثم يزاوج بينها للوصول إلى الحل الذي يراه صالحاً لعلاج المشكلة أو القضية أو الفكرة التي يطرحها التحقيق الصحفي .
فالتحقيق الصحفي يشرح ويفسر ويبحث في الأسباب والعوامل الاجتماعية أو المشكلة أو الفكرة أو الظاهرة التي يدور حولها التحقيق .
وهو كفنً يشتمل على بقية الفنون الصحفية الأخرى ، كالخبر ، أو الحديث ، أو الرأي ، أو الاستفتاء ، أو البحث ، بجانب أنه كثيراً ما يستعين بالصور الفوتوغرافية والرسوم .
والتحقيق الصحفي يلبي وظائف الصحافة الأساسية في الإعلام وتفسير الأنباء والتوجيه والإرشاد والتسلية والإمتاع .. والحياة الاجتماعية هي التي تقدم للمحقق الصحفي الموضوعات التي يكتب عنها مثل الأخبار الهامة أو مما تذيعه الإذاعة ، أو التلفزيون من أخبار في برامجها المختلفة وأخيراً فإن الرحلات والحفلات والمهرجانات وكل ما من شأنه أن يعبر عن الحياة الاجتماعية المدرسية يعتبر مصدراً أساسياً من مصادر التحقيق الصحفي .
كتابة التحقيق الصحفي :
يتكون التحقيق الصحفي من ثلاثة أجزاء :
المقدمة :
وفيها يعرض المحرر وبشكل موضوعي القضية أو المشكلة التي يتناولها التحقيق ويحرص فيها على إثارة اهتمام القراء بالموضوع .. وتأخذ المقدمة عدة أشكال منها قيام المحرر بالتركيز على الزاوية الأساسية لموضوع التحقيق أو التلخيص السريع لجميع زوايا الموضوع .. والشكل الثالث الذي يمكن أن تأخذه المقدمة يقوم على طرح المحور لمجموعة من الأسئلة أو التساؤلات التي تثير اهتمام القارئ ثم يقوم بعد ذلك بالإجابة على كل سؤال منها في جسم التحقيق .

الجسم :
يعرض في جسم التحقيق بقية زوايا الموضوع بعد طرح الزاوية الأساسية في المقدمة ، ويتم هذا العرض بالتفصيل من خلال الإجابة على كل سؤال .. وكذلك من خلال عرض المقابلات الصحفية التي أجراها مع الشخصيات التي ترتبط بالموضوع ثم أيضاً من خلال البيانات والمعلومات الخلفية التي جمعها سواء من أرشيف المعلومات بالصحيفة أو من المكتبة .
الخاتمة :
تقدم خلاصة مختصرة للنتيجة أو النتائج التي توصل إليها المحرر من آراء أو تصورات للقضية أو المشكلة التي تناولها التحقيق وقد تأخذ هذه الخلاصة شكل التأييد أو المعارضة لرأي من الآراء التي طرحت داخل جسم التحقيق .
الفئات المستهدفة :
مرحلة التعليم الثانوية ، وما في مستواها من المدارس الحكومية والخاصة على مستوى الدولة .
المعلمون والمعلمات بجميع المراحل التعليمية .
موضوع المسابقة :
إعداد تحقيق صحفي مصور يتناول شعار مسابقة هذا العام :
" وطني .. هويتي "
الشروط والإجراءات التنفيذية :
المسابقة مركزية يتم تقييمها فقط على مستوى الوزارة بدون مقابلات .
لغة التحقيق الصحفي هي اللغة العربية .
يتسابق الطلاب بشكل فردي ويمكن الاشتراك بأكثر من تحقيق .
يمكن الاستعانة بالمراجع ودوائر المعارف والصحف والمجلات .
التحقيق ما بين خمس إلى عشر صفحات فلوسكاب .
يطبع التحقيق على الآلة الكاتبة أو الكمبيوتر أو خط اليد الواضح .
تكتب بيانات المتسابق على الغلاف الخارجي أو الصفحة الأولى بوضوح .
تقوم المدارس بإرسال التحقيقات الصحفية إلى أقسام الأنشطة بالمناطق التعليمية التي تتولى تجميعها وإرسالها إلى ديوان الوزارة – إدارة الأنشطة الطلابية بدبي .
عناصر التحكيم :
م المعايير الدرجة
1 تناسب محتوى التحقيق مع شعار المسابقة 20
2 حسن الصياغة وجمال الأسلوب وخلوه من الأخطاء 20
3 المقدمة والخاتمة والعناوين الرئيسية والفرعية والمقدمات 15
4 مدى توفر الصور الفوتوغرافية والرسوم والإحصاءات 15
5 الإخراج الفني والتنسيق وجودة الخط أو الطباعة 15
6 الانتقال لمصادر التحقيق ولقاءات المتخصصين والخبراء 15
إجمالي الدرجات

التوقيتــات الخاصة بالمسابقة:
تقوم المدارس بإرسال التحقيقات الصحفية إلى أقسام الأنشطة بالمناطق التعليمية في موعد غايته الأسبوع الثالث من شهر يناير 2011م .
تتولى أقسام الأنشطة بالمناطق التعليمية إرسال التحقيقات الصحفية إلى إدارة الأنشطة الطلابية بديوان الوزارة بدبي في موعد غايته الأسبوع الثاني من فبراير 2011م .
يتم التحكيم المركزي في الأسبوع الرابع من فبراير 2011م.
مستويات التكريم : الطلبة :
المركز الأولى ( بنين + بنات ) مبلغ 2500 درهم .
المركز الثاني ( بنين + بنات ) مبلغ 1500 درهم.
المركز الثالث ( بنين + بنات ) مبلغ 1000 درهم .
 الهيئة التعليمية :
المركز الأولى مبلغ 3000 درهم .
المركز الثاني مبلغ 2000 درهم.
المركز الثالث مبلغ 1000 درهم .


الأحد، 7 نوفمبر 2010

مسابقة المدونات التعليمية


Educational blogs

تعريف المدونة:
هي نوع من أنواع المواقع، عادة ما تكون لفرد بحيث يقوم بإدخال تعليقات، أو وصف حدث معين، وتحوي على عدة انواع من الوسائط مثل الرسومات أو الفيديو. علما بان المدخلات تكون مرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا وتصاحبها آلية الكترونية لأرشفة المدخلات القديمة .

أهداف المسابقة :
 تنمية المهارات التقنية للمعلمين والطلبة .
 توظيف التقنيات في التعليم .
موضوع المسابقة :
 يصمم المشاركون مدونة تعليمية على شبكة الانترنت باللغة العربية أم الانجليزية تخدم العملية التعليمية .
الفئات المستهدفة :
طلاب وطالبات المرحلة الثانوية بالمدارس الحكومية والخاصة ، ومن في مستواهم من طلبة ذوي الإعاقة .
المعلمين والمعلمات بالمدارس الحكومية والخاصة.
شروط التسابق :
تكون المشاركة فردية .
تتضمن المدونة اسم المشارك ومدرسته وايميل .
آلية التنفيذ :
ترشح المدرسة 3 مشاركات من كل فئة إلى قسم الأنشطة الطلابية بالمنطقة التعليمية بتاريخ 27 فبراير 2011م .
يتم تشكيل لجنة لتقييم المدونات بإشراف موجه تقنية المعلومات بالمنطقة التعليمية .
ترسل الأعمال الخمسة الأولى من كل فئة من المنطقة التعليمية إلى إدارة الأنشطة الطلابية بالوزارة بتاريخ 10 مارس 2011 م .
معايير التحكيم :
م المعيار الدرجة ملاحظات
1 التصميم 30
2 المحتوى 20
3 الوسائط المستخدمة 30
4 التفاعل مع الآخرين 20
المجموع 100

مستويات التكريم .:

• الخمسة مراكز الأولي
• الخمسة مراكز الأولى للمعلمين والمعلمات .

السبت، 23 أكتوبر 2010

معلم الضوء

سنقدم هنا نموذجاً يمكن تسميته بمعلم الضوء. يمكننا أن نفهم نموذج هذا المعلم من خلال قراءة وتحليل قصة إنسانية، تمثل علاقة خاصة جمعت بين معلم وتلميذته الصغيرة. حظيت هذه القصة، باهتمام عدد كبير من الفنانين والمخرجين العالميين. تم تصويرها بأكثر من لغة ومثلت في أكثر من ثقافة، كان آخرها الفيلم الهندي (BLACK) الذي أنتج في العام 2005 ولاقى نجاحاً كبيراً على المستوى العالمي. ما هي القيمة الإنسانية التي تقدمها هذه القصة لتحظى بكل هذا الاهتمام؟
في هذه القصة يبني المعلم علاقة مختلفة بتلميذة مختلفة. يسحب المعلم تلميذته (العمياء والصماء والخرساء) من الظلمة الحالكة التي تعيشها إلى حيث الضوء. ينطلق بها من حيث السواد الذي يلف حياتها إلى النور. يخلق لها عينين داخل عينيها السوداويين. يجعلها ترى العالم بحاستها وروحها وقلبها وعقلها. يمكِّنها أن تبني مفاهيمها المتفردة للأشياء. أن تصيغ رؤيتها الخاصة للأشياء. أن تعبر نحو عالمها وتنسجم معه وتتعايش معه على نحو لا يتمكنه الآخرون.
لم تكن رحلة المعلم مع تلميذته سهلة، بل مؤرقة ومنهكة ومتعبة ومكلفة. كانت تحدياً عاشه كل من المعلم والتلميذة. لكنه كان مؤمناً بقدرته على أن يهب تلك الروح الهائمة جناحين تطيران بهما.
سنتعرض هنا لجوانب من هذه القصة، وسنرى كيف صارت ميشيل –الطفلة العمياء- تفتخر بمعلمها (معلم الضوء)، وكيف صارت تعرفه وتراه، وكيف صارت تقدِّمه وتعرفه للآخرين: "كطفلة كنت دائماً أبحث عن شيء، لكنني كنت أنتهي إلى تلك الظلمة الحالكة. يوماً ما وضعتني أمي بين تلك اليدين المجهولتين. لقد كان مختلفاً عن الآخرين. كان ساحراً. لسنوات طويلة واصل سحبي من العتمة إلى الضياء. عندما نقف أمام الرب، كل واحد فينا أعمى. فلا واحد منا قد رآه أو سمعه يوماً. لكن أنا لمسته وأحسست بوجوده. وأسميته معلم. بالنسبة لي كان كل شيء أسود. لكن معلمي علمني معان جديدة للون الأسود. فالأسود ليس مجرد العتمة والاختناق. بل هو لون النجاح أيضاً والمنجزات. هو لون رداء التخرج الذي نتقاسمه اليوم. لكن بيني وبينكم فرق كبير. أنتم ترتدون هذا الرداء لتحتفلوا بتخرجكم. لكن بالنسبة لي، ليكون معلمي هو أول من يراني بالرداء الأسود. كنا نأتي حفل التخرج كل عام، ونقف عند الباب، وكل عام يكتب على يدي: أريد أن أراك يوماً على هذه المنصة يا ميشيل. تطلب الأمر مني أربعين عاماً كي أحقق حلمه، واليوم فقط أشعر بعجزي عن الرؤية. لأني أرغب في أن أرى معلمي واقفاً عند الباب. يشاهدني وأنا أحقق حلمنا بفخر".
كانت تلك الكلمات التي ارتجلتها ميشيل (بإشاراتها ورموزها الخاصة) في حفل تخرجها من الجامعة. ألقتها وسط زملائها ومعلميها وأولياء أمور الطلبة والحاضرين. فما هي حكاية ميشيل، وما قصتها؟
ميشيل مولودة بكر لعائلة ثرية، ولدت لتجد نفسها تعيش في سواد وصمم أبدي. لا ترى الطفلة غير لون واحد: السواد. لا تسمع الطفلة غير صوت واحد: طينين الصمم. تعيش الطفلة وحدها في تابوها المغلق. تستوحش. ما العالم؟ هل يمكن أن يكون العالم ذلك الشيء الأسود الذي تراه ميشيل؟ ما جدوى العالم إن لم يكن كثيراً بالألوان متعدداً بالأصوات؟ ما معنى العالم إن لم يكن يهدي لنا في كل يوم لون جديد ومشهد جديد وشروق جديد وغروب جديد وصوت جديد وكلمة جديدة ومعرفة جديدة وتعريف جديد وحضور جديد. لم يكن في حياة ميشيل أي جديد، لأنه لا قديم في حياتها أصلاً، اللحظات متساوية كما الساعات كما الأيام كما السنوات. لم تكن حياتها غير وحشة أن تكون في لون وحدك.
تكبر ميشيل في بيت يتعاطف مع صندوقها المظلم الذي تعيش فيه، لكنه لا يجيد إعانتها على الرؤية خارجه. يهيأها (دون أن يقصد) إلى الإيغال في السواد أكثر. كلما تعاطفت الأسرة مع صندوق ظلامها أكثر، كلما غابت ميشيل في لونها الواحد. كلما توحشت أخلاقها. أصبحت روحاً هائمة لا يمكن السيطرة عليها. صارت كائنا متوحشاً في جسد إنسان. الانسان يكتسي إنسانيته من الضوء الذي به يرى تعدد الأشياء. بهذا يتمايز عن غيره من الكائنات. يعدد الضوء الصور في مدار الانسان فيتسع فيها. يجعل لكل شيء إسماً. بالأسماء تعرف الأشياء وبالضوء توصف. في الضوء المتعدد بالألوان يمايز الانسان بين صفاته وصفات البهيمة. في الضوء المتعدد بالألوان يتعالى الانسان على البهيمية والوحشنة. يصير لطافة في كثافة. لكن ميشيل الطفلة لم تعرف غير اسم واحد فقط يملأ صندوقها. لم ترى صوراً تجعلها تمايز بين البهيمية والأنسنة، فصارت روحاً أقرب إلى البهيمية منها إلى صفات الانسان.
في الثامنة من عمرها، قررت العائلة احضار معلم خاص، كمحاولة أخيرة للسيطرة على حال ميشيل المتوحش والصعب، قبل أن تلجأ إلى خيارها الأخير، المتمثل في إيداع ميشيل في دار رعاية خاصة.
كان المعلم رجلاً لا يعرف المستحيل. يعيش عالماً من الأفكار الضجرة والهائمة والشاردة التي لا تقبل التقييد أو الاستسلام. المعلم له علاقة خاصة بالضوء. يعتقد أن له قدرة على التعليم تشبه السحر. عندما أرسلوا يصفون له واقع ميشيل قال بثقة: "روح هائمة لا سبيل لها، سوف أمنحها جناحين مصنوعين من الكلمات. سوف أجعلها تحلق عاليا". استطاع المعلم أن يرى ظلمة ميشيل الخانقة والمهلكة. استطاع أن يفهمها. لم تكن ميشيل طفلة لينة مطيعة وسهلة الانقياد. بل كانت شرسة وعنيدة ومتمردة وصعبة الطباع. لكنه كان مؤمناً بقدرته على سحبها نحو الضوء. بقى المعلم متمسكاً بإيمانه بقدرته، رغم كل ما اعترضه من صعوبات وتحديات كفيلة أن تجعله ينسحب ويتراجع. تقول ميشيل بعد أن كبرت بين يدي ضوئه: "كان إيمانك بي كبيراً، وامتلكت أنا أجنحتي بذلك الإيمان"، "كانت أصابعك تحدثني.. الرحلة تبدأ حيث الظلام وتنتهي حيث الظلام.. يوماً ما سيتحتم علينا أن نمضي خلال هذا الظلام..ونصل إلى حيث الضياء.."
يبدأ المعلم أول دروسه مع تلميذته: " أنت مختلفة، ويجب أن تفتخري أنك مختلفة". بماذا تفتخر هذه الطفلة؟ هل تفتخر بعماها وخرسها وظلامها؟. يشرح المعلم لتلميذته اختلافها: "الأحرف الهجائية لن تبدأ معك كالمعتاد، بل ستبدأ من حروف الظلام.. ظ..لا..ا..م". لكن لماذا يبدأ المعلم من حروف الظلام؟ لماذا لا يبدأ من حروف النور والضوء؟. ربما لأن ظلام ميشيل لا يشبه نور الآخرين.
كانت تلك هي بداية صنع شبكة العين الجديدة لميشيل. حروف الظلام هي الحروف الوحيدة التي تعرفها ميشيل، لا يمكن لميشيل أن تعرف شيئاً لم تره. يخاطب المعلم الطفلة العمياء: "انهضي سيدة ميشيل. لقد مررنا جميعا من خلال هذه الظلمة. الظلمة التي تعيشين فيها أنت، لذا لا تبقي في نفس العتمة. تعالي إلى حيث الضياء".
عبر حروف الظلام والعتمة والسواد يمكن لميشيل أن تعبر نحو الضياء والنور والبياض. فهي تعبر إلى ما لا تعرفه عبر ما تعرفه. بمعرفة حروف الظلام، بمعرفة معنى الظلام، أصبحت ميشيل قادرة على جلب حروف الضوء لداخل حياتها: "كنت أنظر في ظلمتي. وكنت أنت من جلب ذلك الضوء المتلالئ".
لم تكن ميشيل لتخرج من ظلامها لو لم تتعرف أولا على حروف الظلام، لو لم تتعرف على معان جديدة للون الأسود الذي كانت تراه، لو لم تره نجاحاً وانجازاً بقدر ما تراه عتمة واختناقاً. بداية ميشيل الجديدة لم تكن لعن الظلام، بل في تعلم حروفه ومعرفتها. معرفة حروف الظلام هي بداية معرفة الضوء.
لسنوات طويلة كانت ميشيل ترى نفسها في الظلمة، والمعلم يراها في الضوء، تقول ميشيل: "لسنوات طويلة واصل المعلم سحبي من العتمة إلى الضياء". لسنوات طويلة عمل المعلم على مد ميشيل بالضوء. الضوء أكثر أهمية من العين بالنسبة للمعلم: "العين ليست مهمة مقارنة بالضوء. ففي الظلمة حتى العينين تغدوان بلا فائدة". الضوء هي شبكة العين غير الطبيعية التي صارت تستطيع بها أن ترى، هي العلاقة التي أقامتها بين الأشياء والرموز والحروف والكلمات. المعلم علم ميشيل كيف تضيء شمعتها لترى، يقول المعلم: "حالما تضاء الشمعة. سيمتلئ هذا البيت نورا".
لم يعط المعلم لميشيل معارف ثابتة ومعلومات، بل أعطاها أداة تفكير تستطيع بواسطتها أن تعيد بناء علاقتها بذاتها وبالعالم، أن تتلمس الضوء المنبعث من داخلها، أن تخلق معرفتها الخاصة، أن تبدع فهمها الخاص والمتفرد للأشياء. أن تبدع تعبيراتها. أن تقهر المستحيل. يفتخر المعلم: "المستحيل هي الكلمة الوحيدة التي لم أعلمها لها".
بهذا تحولت روح ميشيل الهائمة إلى طائر يحلق بجناحين رمزيين من الكلمات. إنهما الجناحين اللذين فاجآ المعلم نفسه. ميشيل تواجه أسئلة مصيرية في حياتها. أسئلة تحدد إمكانية قبول ضمها في الجامعة كأي طالب معافى: كم محيطاً يوجد في هذا العالم؟ تجيب ميشيل: بالنسبة لي كل قطرة ماء هي محيط. تُسأل: إذا كنا في الهند، ففي أي إتجاه تقع أمريكا؟ تجيب ميشيل: إن العالم مستدير، لذا فأمريكا يمكن أن تكون في أي اتجاه. تُسال: ماذا تعني المعرفة بالنسبة لك. تجيب ميشيل: المعرفة هي كل شيء، هي الروح، الحكمة، الشجاعة، الضوء، والأصوات، المعرفة هي انجيلي، الرب، المعرفة هي معلمي". تقف لجنة الفحص مشدوهة باجابات الطالبة العمياء. تفوز ميشيل بدخول الجامعة. وتبدأ رحلتها الصعبة الثانية مع الجامعة.
عبر هذا النموذج نستطيع أن نقدم معلم الضوء الذي نعنيه. هو ليس ذلك المعلم الخاص لتلميذ خاص كما مر معنا في حكاية ميشيل. مثل ذلك أمر بعيد عن الواقع الميداني. لكننا نقدم ملامح معلم الضوء الذي نعنيه:
• معلم الضوء يمتلك بعد نظر يتيح له أن يرى إلى أين يريد أن يأخذ تلاميذه.
• معلم الضوء لا يعرف المستحيل ولا يعلمه لتلاميذه مهما قست الظروف.
• معلم الضوء يؤمن بقدرته على أن يهب الضوء لتلاميذه اياً كانت ظلمتهم.
• معلم الضوء يؤمن بالطيران، ويؤمن بقدرته على أن يهب تلاميذه أجنحة يطيرون بها.
• معلم الضوء يؤمن بقدرته على أن يبدل ظلام صعوباتهم ومشاكلهم وأوضاعهم إلى تحديات. يؤمن باختلاف كل تلميذ عن الآخرين.
• معلم الضوء يؤمن أن الاختلاف قوة وليس ضعفاً، وأن التلميذ المختلف ليس متخلفاً عن التعليم، بل إنه بحاجة إلى حروف هجائية مختلفة يبدأ بها تعليمه. معلم الضوء ينطلق من ظلمة اختلاف تلاميذه إلى نور مشتركاتهم.
• معلم الضوء لا يلقي في طلابه المعلومات والمعارف والمعاني والتعريفات، بل يهبهم ما به يستطيعون صناعتها والتعبير عنها واستخدامها.
• معلم الضوء هو من يفتخر تلميذه أن يتقاسم معه رداء تخرجه من أعلى شهادة يصل إليها.

الخميس، 21 أكتوبر 2010

" اللغة العربية ومواكبة العصر " في مؤتمر دوليّ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ..

http://www.ruowaa.com/?P=15&CS_ID=1&SJ_ID=92

صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين على تنظيم الجامعة الإسلامية لمؤتمر "اللغة العربية ومواكبة العصر"؛ وذلك في جمادى الأولى من عام 1433هـ.
أوضح ذلك مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد بن علي العقلا، الذي رفع باسمه وباسم منسوبي الجامعة كافةً خالص شكره وتقديره لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام ولسموّ النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز على ما يقدمونه للجامعة من دعم ومساندة في جميع مناشطها، كما قدّم شكره وتقديره لوزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري على متابعته للجامعة ودعمه لبرامجها المختلفة.
وأشار د.العقلا إلى أن المؤتمر يسعى لتأصيل الهوية اللغوية العربية وترسيخها، ويناقش حال العربية وما يعترض سبيلها من تحديات مختلفة، كزحف العامية وتعدد اللهجات وغزو اللغات الأخرى. ويحاول المؤتمر أن يتلمس السبل التي تنهض باللغة العربية وتجعلها مواكبة لمتطلبات العصر الحاضر، وذلك بالانفتاح على معطياته والإفادة من الدراسات اللغوية المعاصرة، فيما يثري اللغة ويقرّبها للمتلقي دون التنازل عن ثوابت الهوية اللغوية الأصيلة.
من جانبه أوضح عميد كلية اللغة العربية الأستاذ الدكتور عبدالرزاق بن فراج الصاعدي أن المؤتمر يهدف إلى خدمة اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وإبراز التحديات التي تواجه اللغة العربية، والتصدّي للدعوات التي تنادي بإقصاء اللغة العربية وسبل مواجهتها، والإسهام في ربط اللهجات المعاصرة بأصولها في العربية، وبيان مدى إسهام الدراسات اللغوية الأكاديمية في خدمة الفصحى، والوقوف على المناهج اللغوية الحديثة وتطبيقاتها والإفادة منها، والتعرف على الاتجاهات الحديثة في الدراسات الأدبية والبلاغية والنقدية والإفادة منها، والسعي إلى الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة في خدمة اللغة العربية.
وعرض د. الصاعدي محاور المؤتمر وقال إن المحور الأول سيناقش دور أقسام اللغة العربية في الجامعات في النهوض بالعربية وآدابها، أمّا المحور الثاني فيُعنى باللهجات والتأصيل اللغوي، وفي المحور الثالث يناقش المؤتمر اللغة العربية ووسائل التقنية والاتصال الحديثة، كما يهتم المحور الرابع بدور الآثار الأدبية المعاصرة، ويعرض المحور الخامس هموم اللغة العربية في عصر العولمة.
وأوضح الصاعدي أن آخر موعد لتلقي ملخصات الأبحاث هو التاسع والعشرون من صفر عام 1432هـ على أن لا تتجاوز الملخصات من (200 – 400) كلمة، كما أن آخر موعد لاستلام الأبحاث هو التاسع والعشرون من جمادى الأولى عام 1432هـ.

الإعلام التربوي

لم يعدُ التواصل بين الناس لمجرد إبلاغ المعلومة أو نقل الخبر بل تعدى ذلك إلى أن أصبح قيمهً أدبية ومادية ومعلوماتية وذلك بسبب تعدد وسائل الاتصال المتاحة بين البشر0
وإذا ما تحدثنا عن الإعلام فان أهميته تكمن في الرسالة التي يؤديها من خلال المعلومة والخبر والتثقيف والاتصال المشترك بين طرفين احدهما المُرسل والآخر المستقبل ولكون الإعلام التربوي واحداً من أهم هذه القنوات الاتصالية بين الجهة التربوية المعنية بالنشء والمعلم والمعلمة وولى الأمر كذلك فإن ما نعنيه هنا هو التركيز على مفاهيم متعددة ومتنوعة تشُمل الإبعاد السلوكية والتربوية للرسالة الإعلامية التي ينبغي إن تقوم بها الجهة ذاتها0 ونحن نتواصلُ مع جميع العاملين في المجال الإعلامي التربوي حول مفهوم المنسقات الإعلاميات وما تتطلبه المرحلة من تدريب وتعليم على تنميه المهارات الذاتية لدى العاملين في هذا الشأن واستنباط ما يصل إلينا من هذه الوسائل وأهميه أن يتم انعكاسه على واقعنا العملي ربما لن نكون أكثر تفاؤلاً من الإعلاميين أنفسهم بمحدودية النتائج لكنه ينبغي ألا نفقد الثقة في أن الميل يبدأ بخطوة وأن الطريق يبدأ بالتصور الأول له من هذا المنطلق فإن ما ينبغي على العامل والعاملة في التنسيق الإعلامي هو إدراك أهمية الدور الذي يناط بهم إضافة إلى إننا نعلم يقيناً بأن المـنتـج الجـيد إذا لـم يـصاحـبـه قـنـاعـه ومـصـداقـيـة وتسـويـق جـيـد فـلا يـمكـن أن يحـقـق أى نـتيـجـة

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2010

المعهد العالي للدراسات الإسلامية

http://www.iiss-egypt.org/Page30.htm

بالرجوع إلى:

"يحظي المرء بشرفٍ عظيمٍ حينما تُتاح له فرصة تسطير كلمات لافتتاحية دليل معهد دراسي تفرد منذ أكثر من نصف قرنٍ بأن يكون أول مؤسسةٍ علميةٍ علي الصعيد العربي، متخصصة في الدراسات العليا التي تمنح شهادات الدبلوم ، و درجة الماجستير المُعترف بها رسمياً في مصر، وبالتالي في الدول الأخري التي تعترف مصرُ بمعادلتها كدراساتٍ في سياق الدرجة الجامعية الثانية المؤهلة لنيل درجة الدكتوراه في أغلب فروع العلوم الأنسانية، كما أنه لا يسعى لتحقيق الربح، مما يصدق بحق بأن يكون مؤسسةٍ علميةٍ أهليةٍ."
- دليل المعهد - المعهد العالى للدراسات الإسلاميه (نظرة على ويكي Google الجانبي)

الثلاثاء، 6 يوليو 2010

دار الكتاب الناطق لخدمة المكفوفين

دار الكتاب الناطق لخدمة المكفوفين


جمعية دار الكتاب الناطق لخدمة المكفوفين وعنوانها ميدان حلمية الزيتون - شارع سليم الأول - أبراج الطيران - رقم 99 وترأس مجلس إدراة الجمعية سيدة فاضلة هى الدكتورة "ابتسام أباظة".

هذه الجمعية تؤدى خدمات جليلة وعظيمة لطلاب المدارس والمعاهد والجامعات وأئمة المساجد حيث تقوم بتفريغ الكتاب وتحويله من كتاب مقروء إلى كتاب ناطق إمّا بشرائط الكاسيت،أو "بالسديهات" مقابل أجر رمزى، والحقيقة أن هذه الجمعية يجب أن يوجه إليها الدعم الحكومى والشعبى للاستمرار فى أداء رسالتها العظيمة وانتشارها فى ربوع مصر،ومن يريد أن يحول أى كتاب لديه إلى كتاب ناطق عليه التوجه إلى الجمعية فى العنوان أعلاه،ومدونة لقمة عيش تناشد جميع المصريين والعرب والمقتدرين بتوجيه تبرعاتهم إلى هذه الجمعية على الرقم المنشور فى الصورة حيث للآن ليس لديها مقر "ملك" لها،مع ملاحظة أن الخدمة ليست للمكفوفين فقط بل لكل من يرغب فى اقتناء الكتب الناطقة،وليست الكتب الناطقة للكتب الأزهرية أو الدينية فقط ،بل لكل أنواع كتب الجامعات مثل الحقوق والآداب،وأيضا الكتب الثقافية الأخرى لكبار المفكرين والكتّاب.ومن إعجابى بالفكرة رأيت أن أنشر هذا الموضوع كهدية من مدونة لقمة عيش للجمعية وللمثقفين ولفاعلى الخير.

السبت، 3 يوليو 2010

رحم الله الدكتور شيخ العربية في مصر عبده الراجحي رياض بن حسن الخوام

رحم الله الدكتور شيخ العربية في مصر عبده الراجحي
الأربعاء 26/05/2010
رياض بن حسن الخوام
اخبرني أخي الفاضل الدكتور عبد الرحمن العارف مساء يوم الاثنين نبأ وفاة أستاذنا العلامة عبده الراجحي ،فحزنت لفقده كثيراً وأسفت عليه أسفاً شديداً ، ورحت أسترجع شريط ذكرياتي مع هذا العالم النبيل الأصيل ، فبدا لي آخر الشريط وهو تلك الخاطرة التي مرت بي في اليوم نفسه عصراً بعد خروجي من المحاضرة في الجامعة عاتباً على نفسي أنني لم اتصل به هاتفياً منذ أكثر من شهرين تقريباً لأطمئن على صحته وأحواله ، كما هي عادتي وفي آخر اتصال سمعت صوته الجهوري المألوف عندي الممزوج بالشوق إلينا والتلهف إلى سماع أخبارنا سائلا ومسلما عن جميع الأحباب والأصحاب والعائلة ،ولم أك أدري أن هذا الاتصال هو الأخير كما لم أك أدري أن تلك الخاطرة هي في يوم وفاته فلعلها وداعاً منه قبل صعود روحه إلى رب كريم رحيم . رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته ،وحين أمسكت القلم لأكتب عنه هذه المقالة السريعة الموجزة تزاحمت المعاني السامية التي اتصف بها لتسطيرها –وما أكثرها- وترافقت الشمائل النبيلة التي خلق بها– وما أغزرها –لإبرازها، ناهيكم عن علومه المتعددة التي تمكن منها وأصناف الفنون التي برز فيها، ومثل هذه العجالة لا تكفي لإبراز هذه الجوانب المتعددة ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله فلعلي فيما سأكتب أبرز أهم معالم صورة شيخنا على نحو ما نراه : -1 كان –رحمه الله – على دين وخلق واستقامة وأخلاق حسنة فبوأه الله المراتب العالية والوظائف الرفيعة، فهو عضو معتمد في لجان الترقيات العلمية، وعضو متألق في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،وقبل هذا وذاك هو علم من أعلام جامعة الإسكندرية في مصر وجامعة بيروت العربية في لبنان، فما إن تذكر هاتان الجامعتان إلا ويذكر الدكتور عبده الراجحي فهو باني البنيان ومؤسس الأركان فيهما، والذي أعلمه أن علية القوم في لبنان تكرمه وتحبه وإذا حدثك رحمه الله عن بلاد الشام تشعر كأنه واحد منهم، خبير بلهجاتهم وتقاليدهم ، ولحبه لأهلها اختار شريكة حياته من فلسطين من العائلة الكريمة (الضامن ) ألهم الله( أم محمد) الصبر والسلوان، فقد فجعت بولدها محمد من قبل، قا ل لي: إن موقف (أم محمد) أقوى من موقفي، وتسليمها لقضاء الله وقدره أراحني، وحين واستها زوجتي قالت لها :إن ابني كان عندي أمانة من الله فأراد أن يسترجعها فلماذا الجزع ؟إن لله وإن إليه راجعون . أسرة كريمة زوج صالح وامرأة صالحة فيما نحسب وأولاد كرام بررة وإخوة أفاضل أعرف منهم الأستاذ الدكتور شرف الدين الراجحي فهو أخ كريم لنا ،وكنت من المداومين على زيارته في بيته في عمارة الدكتورعبده نفسها في حي رشدي مع أخي الحبيب الذي براني الشوق إليه وهو الدكتور( زكريا الفقي) الذي شاركني في الدراسة على( الدكتور عبده الراجحي) وإخوانه الدكاترة (عبد المجيد عابدين)( وطه الحاجري)( وبدري عبد الجليل)( وحسن عون )و(زكي العشماوي )ومصطفى هدارة) (وسيد خليل) وغيرهم كثير من أعلام جامعة الإسكندرية الأكارم. ومن إخوان الدكتور الطبيب( إبراهيم الراجحي) الذي يعمل في المستشفى الوطني بجدة والمهندس محمد في شركة ابن لادن في المدينة المنورة كان –رحمه الله – عميد أسرته إليه يفزعون وبتوجيهاته يعملون وحديثي عن اخوانه وأسرته يدفعني إلى أن أتحدث عن أولاده فقد رزق بثلاثة أولاد ذكور محمد وعلي و ثالث لا اذكر اسمه الآن وهو أصغرهم وبنت واحدة اسمها عزة أما محمد فهو شبل من ذاك الأسد لقد برع في كلية الطب فتلقفه الألمان ليعمل عندهم وفق معاهدات ثقافية بين مصر وألمانيا، ولمهارته في جراحة القلب، كان يحضر من ألمانيا لإجراء العمليات في القاهرة على المواطنين المصريين ، وفي إحدى المرات دخل غرفة العمليات وهو مرهق لأنه حضر من المطار مباشرة إلى غرفة العمليات وحين كان يجري العملية توقف قلبه النابض وخر مغشيا عليه من الإرهاق ففارق الحياة. وكانت وفاته فاجعة عظيمة ومصيبة أليمة، تلقاها الدكتور عبده وأسرته بالصبر والإحتساب على أمل اللقيا بابنهم في جنة عرضها السموات والارض كما قال لي الدكتور عبده _رحمه الله_ لقد حضر بعد موت ابنه ومعه أسرته إلى مكة معتمراً و اتصل بي هاتفياً قائلا : أنا أمام باب الملك عبد العزيز آمل أن أراك ولا أستطيع تلبية أي دعوة في منزلكم الآن، فهرعت ورأيته فمما اخبرني به أن ما حصل لابنه (محمد) كان يتوقعه منذ أن كان محمد صغيرا، وأنه كان يستشعر بأن هذا الولد سيخطف منه اختطافا، لذا تحقق ما كان يستشعره بتلك الفاجعة حامداً الله وداعياً أن يجمعه به في الجنة وحدثني عن صبر (أم محمد ) وقوة إيمانها أمام المصاب الجلل وأنها أقوى منه وأجلد . -2 أما الجانب الثاني الذي أود الحديث عنه فيتمثل في مواقفه النبيلة الدالة على جبلة كريمة وأرومة أصيلة، فبره لأساتذته لا تخفى على أي طالب من طلابه فمما اذكره ذلك الجهد الذي بذله في جنازة أستاذه وأستاذنا الدكتور حسن عون _رحمه الله_ لتظهر جنازته لائقة به مع انه يخالفه في كثير من أرائه العلمية، ومن ذلك أيضا إشغاله الدكتور (عبد المجيد عابدين) بعد تفرغه لكبر سنه في قسم الدراسات العليا فكان نعم العالم والمربي والموجه، ومن ذلك موقفه من الدكتور محمود الطناحي – رحمه الله- الذي أنصفه حين تقدم إلى الترقية في مصر فلولا الله ثم الدكتور عبده الراجحي لما حصل الدكتور محمود الطناحي على درجة أستاذ، لأن أعماله العلمية التحقيقية لم ترق لأفراد اللجنة لكن الدكتور عبده وجد في هذه التحقيقات ما يدل على استحقاق الدكتور الطناحي لهذه الدرجة أما مواقفه مع الطلاب فحدث عن البحر ولا حرج، وأكاد أجزم انه لا يوجد طالب وافد درس في قسم اللغة العربية في جامعة الإسكندرية إلا وللراجحي-رحمه الله - أياد بيضاء ومواقف كريمة معه، وأنا واحد منهم لقد كان لي نعم الأب الحاني والموجه والعالم النير والشيخ الفاضل والمربي الكامل ، ومن كرمه مع طلابه أنه حين انتهت إعارته في المملكة العربية السعودية في الرياض أهدى كل أثاث بيته إلى أحد الطلاب الوافدين الفقراء . وما ذكرناه من مواقفه النبيلة ومروءاته الأصيلة هو غيض من فيض، فهو كما قال الشاعر : *ولو أن ثوبا حيك في نسج تسعة وعشرين حرفاً في علاه قصير . -3 أما الجانب الثالث فهو تكوينه العلمي ونشاطه المعرفي نشأ في بيئة علمية راقية فالأساتذة الذين ذكرنا بعضاُ منهم في جامعة الإسكندرية هم من العلماء البارزين المعروفين، يضاف إلى ذلك أن الدكتور عبده ذو ذكاء لماح وذهن وقاد وحافظة قوية، فتهيأت له أسباب التمكن من العلوم التي تخصص فيها، ومما يجب أن نعرفه أن الشيخ الدكتور( محمد محمد حسين) العالم المشهور المعروف كان من أهم المؤثرين في حياته العلمية ، فقد قرأ عليه في بيته وهو طالب عددا من الدواوين الشعرية منها ديوان( ذو الرمة) أما اتصاله بالدرس اللغوي الحديث فقد تم على كبر كان يرحمه الله دائم النصح بتعلم اللغات الأجنبية وكان يقول :(احمدوا الله على أن وجد من يوجهكم إلى ذلك ) نحن تعلمنا ذلك بعد سن الأربعين أجاد اللغات الألمانية والانجليزية وشيئا فيما أحسب من الفرنسية ، وكان يلقي محاضرات في معهد (جوته) الألماني في الإسكندرية ويطلب منا حضورها ،وقد أقام علاقات ثقافية وثيقة مع الجامعات الألمانية وما زلت اذكر (المستشرق فيشر الصغير) حين زار جامعة الإسكندرية واستمعنا إلى محاضراته التي ألقاها علينا وكان ممن يناقشه بقوة وصرامة الرجل العالم (بوخاطر) مدير مركز الأصوات في الإسكندرية، فقد كان هذا الرجل بحق عالماً لا يبارى ولقد امتد نشاط الدكتور العلمي ليشمل مصر والعالم العربي والإسلامي ففي مصر صار علما من أعلامها اللغويين البارزين كون مع الدكتور أستاذنا الفاضل محمود فهمي حجازي مدرسة لغوية متميزة لا سبيل الآن في هذه العجالة للحديث عنها وعن خصائصها، كانا يتبادلان مناقشة الرسائل بينهما ،واحد يمثل جامعة القاهرة والآخر يمثل جامعة الإسكندرية . ومن المفيد أن نذكر أن الدكتور يرحمه الله أشرف على مئات من الرسائل العلمية في جامعتي الإسكندرية وبيروت العربية خاصة والعربية عامة ، وامتد هذا النشاط ليشمل جامعات آوربية وأذكر انه سافر أكثر من مرة إلى ألمانيا لمناقشة بعض الرسائل هناك كما أشرف على بعض الرسائل مشاركة مع أستاذ آخر ألماني، ومما يتصل بنشاطه العلمي أيضاً اتصاله بجامعات ( كازاخستان) وغيرها من الدول الإسلامية التي انفصلت عن روسيا ،وأذكر أنه مر بنا في مكة وبصحبته وكيل جامعة الإسكندرية وهما في طريقهما إلى (كازاخستان) لتأسيس قسم للغة العربية هناك ومن همته العالية أنه أدى العمرة بدلاً من أن يمكث في مطار جدة ليستقل الطائرة التي تقله إلى كازاخستان، ولو أردت أن أتكلم عن همته في العبادة حين كان يحضر إلى مكة لكتبت في ذلك صفحات كثيرة، لله دره ما أكثر شمائله، فهو بحق شيخ فاضل وقدوة تحتذى ولا يفوتني أن اذكر أنه حين درس وهو معيد في جامعة بيروت العربية حظي بالقبول هناك وربى أجيالاً، كلها تثني عليه وتدعو له، فأفضاله عمت وعلومه نفعت لقد ترك _يرحمه الله_ عددا من الكتب التي أثرت المكتبة العربية وذاع صيتها وانتشر أمرها منها : -1 التطبيق النحوي والصرفي وهما كتابان معتبران مقرران في عدد كثير من الجامعات العربية، اخبرني أنه بدأ بهما في لبنان في ليالي رمضان بعد أداء صلاة التراويح فكان يشعر بأنه سيقدم شيئا مفيدا إلى المكتبة العربية . -2إعراب بعض السور القرآنية وقد شاركه في ذلك الدكتور بدري عبد الجليل . -3 فقه اللغة في الكتب العربية وهو كتاب مقرر في عدد من الجامعات العربية . -4 اللهجات العربية في القرآت القرآنية وهو متميز في بابه رائد في موضوعه . -5 النحو العربي والدرس الحديث وهو كتاب له منزلة خاصة عند المشتغلين بعلوم العربية و علم اللغة الحديث وهناك كتب أخرى ومحاضرات كثيرة ألقاها في النوادي الأدبية والمؤتمرات الدولية يضاف إليها تلك المحاضرات التي كان يلقيها على طلبة الدراسات العليا لقد أفدنا منه كثيرا في فهم نظرية (دي سوسير)التي كانت حديثة الدراسة في جامعاتنا العربية لقد شرحها لنا من نصها الانجليزي مقارنا إياها بالظواهر اللغوية العربية، ومثل ذلك حين حدثنا عن (بلومفيلد) و النحو الأرسطي وغير ذلك مما يتصل بالدراسات اللغوية الحديثة، وقد سجلت كثيرا من هذه المحاضرات مع محاضرات الأستاذ القدير عبد المجيد عابدين – بل الله قبره بوابل رحماته – حول عبارة ( هيّ بن بيّ وهيان بن بيان – وعبارة أشد الهلّ و أوحاه ) إذ كان مولعا بالتحليل اللغوي الراقي ومقارنته بالساميات فكان يعجب ويطرب ويبدع غير أن عوادي الزمن أتت عليها كلها ، وكم أتمنى أن يقوم باحث بتناول جهود أستاذنا الفاضل الدكتور عبده الراجحي - يرحمه الله - في كتاب يجمع فيه كل جهوده اللغوية فالمكتبة العربية بحاجة إلى مثل ذلك ، ولا ننسى أخيرا أن نشير إلى أنه تعاقد مع جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض وألقى كثيرا من المحاضرات في النوادي الأدبية ، وشارك في مناقشة عدد من الرسائل في الجامعات السعودية أيضاً منها جامعة أم القرى ، وقد اتصل حين مكوثه في السعودية مع رجالات العلم والأدب فسعدوا به كما سعد بهم، وكان معجبا بالحركة اللغوية النشطة في المملكة ومثنيا على إخوانه هنا على ما رآه منهم من كريم الخصال وحميد الفعال، ولحبهم إياه دعوه أكثر من مرة لزيارات علمية ،وأخبرني أن أصول عائلته تعود إلى الممكلة العربية السعودية وأن واحدا من آل الراجحي اتصل به وتحادثا كثيراً عن تلك القرابة الحاصلة بينهما رحمك الله يا أستاذنا الفاضل، وأنزل على قبرك شآبيب رحماته وتغمدك بألطافه وأدخلك جناته ،وفرحنا بلقائك تحت لواء سيد المرسلين عند رب جواد كريم فأنت كما قال القائل: خيالك في عيني وذكرك في فمي ومثواك في قلبي فأين تغيب . عزيزي القارئ لعل ما قدمته في هذه العجالة يلقي ضوءا على أستاذنا الذي ندر مثيله في هذا الزمن الذي كسد فيه علم العربية وندرت علماؤه، ولا حول ولا قوة الإ بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون . ألهم الله أهله وإخوانه وطلابه الصبر والسلوان . * أستاذ اللغويات في جامعة أم القرى

عبده الراجحي‏..‏ حبة أخرى تنفرط‏!‏ بقلم: د‏.‏ سليمان عبد المنعم

عبده الراجحي‏..‏ حبة أخرى تنفرط‏!‏

بقلم: د‏.‏ سليمان عبد المنعم
................................

برحيل العالم الجليل الدكتور عبده الراجحي‏(1937-2010)‏ أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الاسكندرية وعضو مجمع اللغة العربية تنفرط حبة أخري من العقد الفريد لجيل الرواد في جامعات مصر‏.‏
انتقل عبده الراجحي من دنيا الصخب والعراك والضجيج في زمن تبدل المعايير وانقلاب القيم الي دار الحق في مشهد أصبح معروفا متكررا رتيبا‏..‏ عالم جليل ومرب فاضل وهب حياته للعلم في صمت وسخاء يرحل في هدوء وصمت وكأنه لا يود إزعاج أحد‏!‏ مثل الكثيرين من العلماء الأصلاء لم يهتم عبده الراجحي بالاعلام والأضواء ولم يكترث بفنون العلاقات العامة التي جعلت من هم أقل منه شأنا وعلما يحظون بشهرة واهتمام لم ينل منهما العالم الجليل أقل القليل‏.‏
أخلص الراحل الكبير يرحمه الله لتخصصه العلمي في اللغة العربية فكان أحد حماتها المهمومين باغترابها‏,‏ وكان علم النحو شغفه الكبير‏.‏ قدم للمكتبة العربية مؤلفات رصينة في‏'‏ التطبيق النحوي‏',‏ و‏'‏التطبيق الصرفي‏',‏ و‏'‏المذاهب النحوية‏'‏ و‏'‏اللهجات العربية والقراءات القرآنية‏',‏ و‏'‏فقه اللغة في الكتب العربية‏'.‏ وبرز اهتمامه في العشرين عاما الأخيرة بقضية تعليم اللغات وما تواجهه اللغة العربية من تحديات في عصر المعرفة فكتب عن‏'‏ اللغة وعلوم المجتمع‏',‏ و‏'‏علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية‏',‏ و‏'‏أسس تعليم اللغات الأجنبية وتعلمها‏'.‏ ولم يكن اهتمامه باللغة العربية لغير الناطقين بها مقتصرا فقط علي الجوانب النظرية فانشأ في جامعة الاسكندرية مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها‏.‏وكانت له في هذا أحلام عريضة لم يسعفه الزمن لتحقيقها علي الرغم من دأبه ومثابرته‏.‏
ولم يحصر العالم الجليل نفسه في أسر تخصصه العلمي بل سعي للانشغال بقضايا عصره وأمته فكان أحد الذين تأثروا بمقولة الراحل العظيم المفكر السياسي الكبير أحمد بهاء الدين‏'‏ اعرف عدوك‏'‏ فأصدر كتابه عن‏'‏ الشخصية الاسرائيلية‏'‏ بعد عام واحد من نكسة عام‏.1967‏ كان عبده الراجحي أكاديميا معطاء أشرف علي نحو مائة رسالة ماجستير ودكتوراه في العلوم اللغوية كان للفكر النحوي منها عدد كبير حتي أصبح صاحب مدرسة علمية قوامها الآلاف من تلاميذه في مصر وخارج مصر منهم اليوم اساتذة مرموقون‏.‏
كان الراحل الكبير الدكتور عبده الراجحي متحدثا بارعا لبقا يمتلك ناصية الحديث‏,‏ حاضر المعلومة والدعابة‏,‏ يتعجب المرء كيف لم يستطع إعلامنا الذي يملأ السماوات صخبا أن يصل الي هذا العالم الجليل متنوع الثقافة واسع الآفاق ليستفيد منه الناس ؟ وككل العلماء من ذوي الكبرياء والاعتزاز بتخصصهم العلمي لم ينشغل عبده الراجحي بغير العلم واللغة العربية ولم يخطب ود غيرهما‏!!‏ كان للمرحوم حضوره المميز والمؤثر في الأوساط العلمية والأكاديمية خارج مصر‏,‏ فكان سفيرا حقيقيا لبلاده دون أن يدخل باب سفارة قط‏!!‏ عمل عميدا لكلية الآداب في جامعة بيروت العربية‏,‏ كما عمل في جامعة الامام محمد بن سعود‏,‏ وجامعة إرلانجن في ألمانيا وجامعات لندن واكسفورد واكستر في بريطانيا‏,‏ وجامعة موسكو‏,‏ والعديد من الجامعات الآسيوية في ماليزيا وأوزباكستان وتتارستان‏.‏ تجول في أروقة هذه الجامعات العريقة وحاضر فيها دفاعا عن لغة الضاد التي وهب حياته لها‏.‏
وكان وراء هذا التاريخ العلمي الحافل شخصية انسانية بسيطة وآسرة‏.‏ وكان العالم الجليل يتمتع بصلابة نفسية لعله كان يحمي بها نفسه من تطفل الآخرين وإزعاجهم‏.‏ كأن أغرب مشهد مثير للحزن والدهشة في اللقاءات القليلة التي جمعتني بالراحل الكبير ما حدث ذات يوم في لبنان‏.‏ كنا نتناول طعام الغداء تلبية لدعوة صديق لبناني في منطقة جبلية هادئة وخلابة في صحبة د‏.‏ عمرو جلال العدوي رئيس جامعة بيروت العربية وبعض الزملاء الأساتذة‏.‏ وكان المرحوم د‏.‏ عبده الراجحي هو نجم هذه الجلسة بحديثه المتدفق وحكاياته الراقية المتنوعة التي لا تنتهي‏.‏ وفجأة تلقي اتصالا هاتفيا يخبره بوفاة ابنه الأكبر الذي كان يعمل طبيبا ناجحا في المانيا‏.‏ توفي الجراح الشاب الماهر في ذروة شبابه وتألقه المهني‏.‏ كان رد فعل الخبر الفاجعة علي الأب المكلوم مثيرا للانتباه والدهشة ولا أحسب أنني شاهدت موقفا بتفرده حتي اليوم إذ لاذ بالصمت تماما وقد وضع نظارته السوداء علي عينيه وكأنه يحتمي بها من تطفلنا‏..‏ بينما كنا نهبط الجبل بالسيارة لم يرد علي تساؤلات أحد‏..‏ بدا أنه يتمتم بآيات قرآنية وكأنه لا يريد لأحد أن يقطع خلوته الروحية أو يشتت حزنه النبيل‏.‏ طلب سيارة تقله الي مطار بيروت حيث كانت هناك طائرة تقلع لحسن الحظ بعد ساعات قليلة‏.‏ حاولت في رفق أن افتح حديثا معه علني أخفف عنه دون جدوي‏.‏ عرضنا عليه أن نصحبه الي المطار حتي موعد إقلاع الطائرة لكن اعتذر بكلمات مقتضبة كسيرة‏.‏ كان واضحا أن كل ما يريده الرجل هو أن يخلو الي نفسه‏..‏ احترمنا رغبته وانحنينا أمام طقوس حزنه الفريد‏.‏
بعد عام تقريبا من هذه المناسبة الأليمة التقيته مصادفة عند باب احدي مكتبات بيع الصحف في شارع الحمراء في بيروت حيث كان يعمل أستاذا زائرا لعدة أشهر‏.‏ تجاذبنا سريعا أطراف الحديث‏.‏ قلت له لا أراك هذه الأيام وأنا أمارس رياضة المشي في الصباح المبكر في طريق الكورنيش‏.‏ رد قائلا إنني أفضل ممارسة رياضة المشي في المساء حتي أتفرغ في الصباح الباكر لأعمالي الذهنية في الكتابة والقراءة‏!‏ سكت لحظة ثم أردف قائلا ساعات الصباح الأولي لدي وقت ثمين هو الأجدر بنشاطي الذهني‏!‏ قال ذلك وهو الذي تجاوز السبعين‏..‏ لكن بقي العلم هو انشغاله الأكبر‏..‏ إنها الملامح ذاتها لجيل من الرواد في مصر‏..‏ يرحلون في صمت واحدا تلو الآخر‏,‏ تاركين لنا الوحشة والفراغ والسؤال الكبير‏:‏ تري هل يجود الزمن علينا بأمثال هؤلاء العظام ؟
.............................................
*الأهرام ـ في 10/5/2010م.

عندما يخيِّم الحزن بقلم: د. خالد فهمي إبراهيم

عندما يخيِّم الحزن![03/05/2010][16:35 مكة المكرمة]

د. خالد فهمي

بقلم: د. خالد فهمي إبراهيم



في رثاء الدكتور عبده الراجحي (1937- 2010م)

بعد رحلة عطاء طويلة ومشرِّفة في خدمة العربية، بما هي لغة الكتاب العزيز؛ أسلم الراحل الكريم الدكتور عبده الراجحي روحه إلى بارئها، في صبيحة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1431هـ الموافق للسادس والعشرين من شهر أبريل سنة 2010م عن عمر ناهز الثالثة والسبعين عامًا، قضى ما يقرب من خمسين عامًا منها في خدمة علوم اللسان العربي؛ دارسًا وباحثًا ومؤلفًا ومترجمًا.



والدكتور عبده الراجحي نموذجٌ فذٌّ من الجيل الثاني المؤسس للمعرفة اللغوية في الجامعات المصرية والعربية، وهو الجيل الذي تسلَّم الراية من الجيل الأول؛ جيل الرواد الذي بعث في العلم بلغة العرب روحًا جديدةً عصريةً مرتكزةً على المناهج الحديثة؛ التي سعت إلى إحياء مجد الدراسات اللغوية أو اللسانية العربية، وفحص منجز اللغويين العرب في الميادين كافةً، وعلى اختلاف المستويات الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية والدلالية، وبشكل لم يهمل في الوقت نفسه إخلاص درس الظواهر والمسائل والقضايا المتعلقة بتاريخ علم اللغة عند العرب، والفلسفات الموجهة له، والحاكمة على مسيرته، ومسيرة أعلام الكبار، ومصنفاته المركزية؛ التي تمثل علاماتٍ أساسيةً على طريق دراسة العربية وفقه لغتها دراسةً علميةً منضبطةً.



عبده الراجحي.. سيرة حياة موجزة

والدكتور عبده الراجحي هو عبده علي الراجحي، وُلد في أكتوبر سنة 1937م بمحافظة الدقهلية بالوجه البحري المصري، درس اللغة العربية في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وتخرج منها حاصلاً على الدرجة العلمية الأولى (الليسانس) بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف سنة 1959م.



ثم واصل دراساته العليا فحصل من الجامعة نفسها على درجة الماجستير في العلوم اللغوية سنة 1963م، بأطروحته عن كتاب "المحتسب" لابن جني، ثم حصل على الدكتوراه سنة 1967م عن اللهجات العربية في القراءات القرآنية.



وكان عقب تخرُّجه قد عيِّن معيدًا سنة 1961م بكليته التي تخرج منها وظل فيها حتى لقي ربه الكريم أستاذًا غير متفرغ، بعد خدمة علمية استمرت ما يقرب من خمسين عامًا.



وكان الراحل الكريم شغل مناصب علمية وإدارية متعددة، أستاذًا ورئيسًا لقسمَي اللغة العربية وقسم الصوتيات بجامعة الإسكندرية، ووكيلاً وعميدًا.



وعرفته الجامعات العربية والعالمية أستاذًا مرموقًا في الدراسات اللغوية، ولا سيما في فرع تأهيل غير الناطقين في ميدان تعلُّم العربية.



كما كان واحدًا من أهم الأساتذة الذين عُنُوا بتحكيم أعمال الأساتذة وترقيتهم في الجامعات المصرية والعربية.



وقد كان لهذا العطاء العلمي رفيع المستوى أثره في اختياره عضوًا في عدد من المؤتمرات العلمية العالمية في اليونان 1979، والرباط 1981م، والكويت 1985م، وماليزيا سنة 1990م، وهو الأمر الذي تُرجم ترجمةً واضحةً في انتخابه عضوًا عاملاً في مجمع الخالدين، مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 2003م، وغيره من المجامع والاتحادات العلمية واللجان.



عبده الراجحي وحصاد عمر حافل بالعلم

وفحص المنجز العلمي للدكتور عبده الراجحي يوقفنا على عدد من علامات التميز المهمة جدًّا في هذا السياق، قائدةً إلى الإقرار بأنه أحد أهمِّ علماء اللغة المعاصرين في مصر والعالم العربي والإسلامي، ليس فقط، وإنما هو واحد من أهمِّ أصوات علم اللغة يدرك حجم الرابطة بين علم اللغة وخدمة القرآن الكريم، وهو الأمر الذي يبتدَّ من خلف أطروحتيه الأساسيتين للماجستير والدكتوراه.



ويمكن توزيع إنتاجه العلمي على المحاور التالية:

أولاً: الدراسات في ميدان علم اللغة، وهو الميدان العلمي الأكبر، الذي مثَّل مساحة جهاده وإنتاجه وحركته العلمية، وقد خلَّف لنا من هذه الدراسات في هذا الميدان ما يلي:

1- منهج ابن جني في كتابه "المحتسب"، الإسكندرية 1959م.

2- اللهجات العربية في القراءات، القاهرة 1968م، وطبعات أخرى كثيرة بالإسكندرية.

3- التطبيق النموي، بيروت 1972م.

4- التطبيق الصرفي، بيروت 1973م.

5- فقه اللغة في الكتب العربية، بيروت 1974م.

6- دروس في شروح الألفية بيروت 1978م.

7- اللغة وعلوم المجتمع، بيروت 1979م.

8- دروس في المذاهب النحوية بيروت 1978م.

9- النحو العربي والدرس الحديث، بيروت 1979م.

10- علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية الرياض 1990م.



وتظهر من هذه القائمة عنايته الظاهرة بالمنجز التراثي في علم اللغة، وإدراكه الواضح للارتباط العضوي بين دراسات علم اللغة والقرآن الكريم بقراءاته المختلفة وما هو ما يظهر في (1، 2) فضلاً عن تقديره الواضح لما قدمه علماؤنا من خدمة اللسان العربي، وهو ما تجلَّى في تعليقاته وتحليلاته لعدد من عيوب مذاهبهم وآرائهم ومصنَّفاتهم على ما يظهر في (5، 6، 8)، ثم عنايته بالتواصل من المنجز العصري وما توصلت إليه المنهجيات المعاصرة في خدمة علم اللغة، وهو ملمحٌ أصيلٌ في الاتجاه الذي تمثله المدرسة الفكرية العربية الإسلامية المنتمية؛ التي لا تتنكَّر للتراث، ولا تهمل المنجز الحديث، وهو ما نراه واضحًا في (7، 9، 10).



على أن التدليل على مسألة انتمائه للمعرفة الإسلامية من بوابة خدمته لعلوم اللسان العربي تظهر- بالإضافة إلى ما مرَّ دراسات توصل لهذا المنحنى- في دراسات أخرى تظهر هذا الوجه على صورة صريحة لا تخطئها عين دارس لجهود عبده الراجحي في هذا الميدان، وهو ما نلحظه في المقالات العلمية (وهي بحوث مطولة):

أ- النحو العربي وأرسطو، اليونان 1979م.

ب- التراث العربي ومناهج علم اللغة، الرباط 1981م.

ج- التحيز في الدرس اللغوي، وهو واحدٌ من أهم بحوث الكتاب الجامع عن إشكالية التحيز، الذي حرَّره المرحوم عبد الوهاب المسيري.



هذه الثلاثة، مع ما سبق الإشارة إليه هنا، دليلٌ قاطعٌ على الروح الإسلامية التي حكمت توجهات عبده الراجحي الإسلامية.



ثانيًا: الكتب العلمية في ميدان تيسير تعليم العربية لأبنائها ولغير أبنائها.. وهناك ملمحٌ أصيلٌ ظاهرٌ جدًّا على عطاء الدكتور عبده الراجحي العلمي، وهو إسهامه المتميز في ميدان تيسير تعليم العربية، وهو يترجم عنه بكتابيه الشائعيْن: التطبيق النحوي والتطبيق الصرفي، وهما (3، 4) في البند (أولاً)، وهو الأمر الذي واصل خدمته تأليفًا في كتابه رقم (10)، بالإضافة إلى ترجمته كتاب (أسس تعليم اللغات وتعلمها)، الذي نشره سنة 1994م، ثم عاد ونشر منه فصلاً مستقلاًّ في كتابه فصول في علم اللغة 1999م، بالإضافة إلى بعض بحوثه في الميدان نفسه، من مثل بحثه (النحو في تعليم العربية لغير الناطقين بها)، ماليزيا 1990م.



ثالثًا: مصنفاته في خدمة الفكرة الإسلامية والعربية.. ومن الحق أن نقرر أنه صحيح أن الدكتور عبده الراجحي عُرف أستاذًا مرموقًا لعلم اللغة في غير ما ميدان من ميادينها، وهو الوجه البارز المعلن لكل من عرف جهاد الراحل الكريم.



ولكن وجهًا آخر زامن بداياته العلمية، تمثل في خدمته للفكرة العربية والإسلامية الساعية إلى تأصيل الهوية، ولا سيما في حقبة تاريخية كان الصراع فيها مع الصهيونية العالمية شديدًا وعنيفًا، وهو ما يمكن أن نلحظه في كتابيه:

أ- الشخصية الإسرائيلية، وهو الذي ظهر بعد أعقاب هزيمة يونيه 1967م، ونشرته دار المعارف بالقاهرة 1968م.

ب- عبد الله بن مسعود، طبعة دار الشعب 1970م.



وهذان المثالان يُظهران الوجه الحقيقي الذي لم يختفِ للمرحوم الدكتور عبده الراجحي رحمه الله، عالمًا لغويًا منتميًا ومتميزًا، ومفكرًا عربيًا وإسلاميًّا، أنتج ما يدل على اشتباكه مع واقع أمته في غير ما لحظة حرجة من تاريخها المعاصر.



عبده الراجحي.. إنسانية راقية

والذين يعرفون الراحل الكريم يقدِّرون فيه أبوَّته الحانية، وإنسانيته المتدفِّقة، يعرفها كل من تعامل معه، أو عاش في الجو والوسط الجامعي المصري، ومما يُعرف عنه حَدَبه وحنوّه مثلاً على الدكتور الطناحي أيام أزمة ترقِّيه أستاذًا، حتى كتب- وقد كان أحد فاحصي إنتاجه- إنه يقف من أعمال الطناحي (وهو الطالب المتقدم للترقية) موقف التلميذ الذي يتعلم (وهذا موقف أستاذ يحكم)، وهو نبلٌ نادرًا ما نقف على مثال له.



ولقد عرفته أنا شخصيًّا من نحو خمس عشرة سنة، وتوطدت علاقتي به من يوم أن ناقشني لدرجة الدكتوراه، وقد كان حفيًّا ودودًا منقذًا من بعض الشر الذي أريد لي.



وقد كان مقررًا أن أشاركه مناقشة رسالة علمية بكلية الآداب بجامعة جنوب الوادي بقنا، بدعوة من الصديق الكريم الأستاذ الدكتور حمدي بخيت عمران، إلا أنه منذ ما يقرب من شهر هاتف الدكتور حمدي واعتذر له عن عدم استطاعته مناقشة الطالبة بعدما وصلته رسالة واستعدَّ لها فلم يشأْ أن يعطِّلها، في واحدة من دلائل إنسانيته وشفافيته في الوقت معًا رحم الله الراجحي أستاذًا وعالمًا ومجاهدًا وإنسانًا راقيًا ونبيلاً.

----------

* كلية الآداب- جامعة المنوفية.

اللغة والفوضي والعنف بقلم: نبيل عبدالفتاح

اللغة والفوضي والعنف
بقلم: نبيل عبدالفتاح

أخطر علامات الفوضي قاطبة هي فوضي اللغة وعنف الأفكار الغائمة والآراء المسطحة التي تعتمد علي الانطباعات السانحة‏,‏ وليس المعلومات الدقيقة‏.‏

تنتاب اللغة كنظام للمعاني والدلالات والمجازات‏,‏ موجات من الوهن الشديد في لحظات التدهور الثقافي والسياسي والتعليمي‏,‏ علي نحو ما نشاهده في اللغة الإعلامية والصحفية‏,‏ وفي الخطاب السياسي والديني الشفاهي والمكتوب‏.‏ خذ ما يقوله بعض السياسيين في الحكم والمعارضة في بعض قضايا الجدل العام‏,‏ ويمكنك أن تلاحظ مدي التدهور اللغوي في المفردات والتراكيب والصياغات المكتوبة أو التي تأتي لحظية وعفو الخاطر وهي حالة تعكس وهن العقل والخيال السياسي السائد‏.‏
الركاكة اللغوية والفقر المعلوماتي‏,‏ وعدم الاحتفاء بالبلاغة السياسية لدي بعضهم هي الوجه الآخر للضعف اللغوي‏.‏ في اللحظات التاريخية التي يسودها سلطان العقل وسلطة المثقف والأكاديمي الحر‏,‏ تنطلق الحريات الفكرية والبحثية وتتطور اللغة وآدابها‏,‏ ويغدو السوق اللغوي مترعا بالثراء في الإنتاج اللغوي‏,‏ وفي إبداع المصطلحات التي توصف الظواهر وتكثفها في بلاغة ودقة وأناقة لغوية واقتصاد دال في المعني‏.‏ اللغة ليست فقط محض وسيلة للتعبير‏,‏ وإنما اللغة هي إنتاج للعالم في مناح شتي‏,‏ في لغة الخاصة من الصفوة‏,‏ ولغة الجمهور وآحاد الناس في الحياة اليومية وفي فضاءات الوظيفة العامة‏,‏ وفي القطاع الخاص‏,‏ وفي الحافلات العامة‏,‏ والشارع‏,‏ وكافة مجالات ومناشط السلوك والفعل الإنساني اليومي‏.‏ من لغة اليومي ومفرداتها وتراكيبها يمكنك أن تتعرف علي مواطن الإبداع والخلل معا في حياة شعب ما ومدي نصيبه من التطور أو التخلف‏,‏ وماهية الأزمات التي تحيط به‏.‏ من المحادثات الشفاهية بين الأشخاص بعضهم بعضا‏,‏ وفي عديد المواقف اليومية يمكنك أن تتعرف علي مدي قدرة الشخص‏_‏ ولا أقول الفرد في الحالة السوسيو‏/‏ لغوية المصرية‏_‏ أو المجموعة في التعبير عن نفسها‏,‏ أو ما يجول في عقلها ووجدانها من أفكار أو مشاعر تريد التعبير عنها‏.‏ يمكنك أن تشعر بالصدمة والخوف والخطر علي العقل الجمعي من مجرد ملاحظة حالة الغموض والابتسار والتناقض وعدم قدرة الشخص أو المجموعة عن التعبير الصحيح عن الرأي‏,‏ أو التعبير الدقيق عن طلب ما‏,‏ أو مشاعر ما إزاء موقف أو رأي أو فعل آخر‏.‏ ما يحدث في البيئة اللغوية المصرية اليومية‏_‏ إذا جاز التعبير وساغ‏_‏ من تعبيرات ومفردات وآراء وأساليب اتصالية‏,‏ ينطوي علي مفارقات تعبيرية تدعو أحيانا للضحك‏,‏ وأحيانا أخري للأسي والحزن الشديد‏.‏
يبدو أن المفارقات التي تنطوي عليها المواقف اللغوية والتعبيرية للأشخاص في الحياة اليومية دفعت بعض مؤلفي ومعدي البرامج إلي تحويل هذه المواقف وردود الأشخاص ولاسيما بعض المتعلمين‏-‏ والأحري غالبهم في أيامنا‏-‏ إلي موضوع للبرامج التلفازية التي تظهر غياب الثقافة العامة والمعلومات الأساسية وركاكة اللغة‏,‏ وعدم قدرة بعضهم علي التعبير عن نفسه أو ما يجول في ذهنه من رأي‏,‏ أو ما يجيش به وجدانه من شعور‏.‏ برامج رمت إلي الكشف عن حالة ضعف اللغة العربية في حياتنا‏,‏ وهو ما يشير إلي حقائق صادمة علي تراجع مستوي التعليم وضعفه الشديد‏,‏ وتدهور مستويات الوعي السياسي أو الاجتماعي أو التاريخي لدي فئات اجتماعية ومهنية عديدة في بلادنا‏.‏
ضعف اللغة وأساليب التعبير اللغوي لدي الجمهور وآحاد الناس هي الوجه الآخر لمشاكل تربوية واجتماعية وسياسية‏,‏ وهي نتاج لاستقالة وسائل الإعلام الجماهيري التقليدية‏,‏ عن القيام بدورها في الارتقاء بمستويات اللغة التي تقدم بها برامجها علي اختلافها للقواعد الاجتماعية العريضة من مستهلكي برامجها‏,‏ ولاسيما المرئية‏.‏
قد يظن بعضهم أن الارتقاء بالذائقة اللغوية للجمهور‏,‏ يعني التفاصح‏,‏ واستخدام المفردات المهجورة أو أساليب التعبير الصعبة‏,‏ علي نحو يؤدي إلي عدم قدرة الرسالة الإعلامية علي الوصول إلي متلقيها‏.‏ بالقطع ثمة تمايز بين اللغة العربية الواضحة والسلسة والبسيطة‏,‏ وبين اللغة العصماء والتراكيب المعقدة التي مجالها الكتابة الأكاديمية أو كتابات المثقفين لبعضهم بعضا‏.‏ نحن نتحدث عن اللغة الوسيطة‏,‏ بين لغة الخاصة ولغة الجمهور‏,‏ والأحري السعي إلي بلاغة البساطة‏,‏ حيث السلاسة والتدفق اللغوي‏,‏ وبساطة التعبير وجمالياته‏,‏ ووضوحه الدلالي‏.‏
للأسف هيمنت لغة عامية دهماوية علي خطاب بعضهم التلفازي والإذاعي‏,‏ ومن ثم لا تستطيع أن تفهم ما الذي يريده مقدم البرامج المرئية أو مذيع البرامج المسموعة بل تخرج اللغة في بعض الأحيان عن نطاق التهذب اللغوي‏.‏ احتلت لغة الشارع المنفلتة لغة بعضهم في بعض برامج الفضائيات‏,‏ ومن الملاحظ أنها أصبحت لغة متفجرة بالعنف والمشاعر المحتقنة‏,‏ ومن ثم باتت أقرب إلي لغة فورات الغضب السياسي أو الديني أو الاجتماعي أو العرقي‏,‏ وليست لغة تفكير ساعية إلي إنتاج المعاني والمطالب والمصالح المشروعة والواضحة‏.‏
ساعدت لغة الفضائيات العنيفة علي اتساع العنف اللغوي‏,‏ ولغة التعميمات والخلط بين الانطباعات والرأي المؤسس علي المعلومات والحجج والبحوث العلمية‏,‏ والدراسات الميدانية حول القضايا والموضوعات التي يجري حولها النقاش‏.‏
بعض المتعلمين والمهنيين يتصورون أن حريتهم في إبداء آراءهم ـ وهذا حق دستوري لا شبهة حول حق كل الناس في التمتع به ـ‏,‏ وبين فرض انطباعات تفتقر إلي التخصص ولغته واصطلاحاته‏,‏ والأخطر الحد الأدني من أصوله كي يجعل الرأي حاملا لصفته‏.‏ الغريب أن بعض هؤلاء يتصورون أن الصوت العالي والعنف حق لهم في إبداء انطباعاتهم غير المتخصصة‏,‏ أو آراءهم المكررة في غالب المواقف والقضايا والندوات والبرامج‏'‏ الحوارية‏'!‏
هذا النمط‏_‏ أصبح هكذا‏_‏ بات شائعا في سوق الندوات والمؤتمرات‏,‏ والأخطر أن بعضهم يطرح انطباعاته الخاطئة دون أن يستمع لرأي أهل التخصص والمعرفة من الحاضرين‏,‏ ومن ثم يبدو هذا النمط من لغة اللغو حاملا لعنف حاد يؤثر علي بيئة الحوار والتواصل بين الخبراء أو الباحثين‏.‏ ظاهرة اعتلال‏,‏ وربما تعود إلي ضعف تقاليد الحوار‏,‏ وتراجع مستويات اللغة‏,‏ والخلط بين حرية التعبير السياسي والمهني والفئوي داخل المنظمات النقابية والروابط والجمعيات‏,‏ وبين مناطحة أهل التخصص والعلم في تخصصاتهم بغير معرفة‏.‏
من مظاهر الخلط بين الحق في التعبير وإبداء الرأي للمواطن في الدولة الحديثة‏,‏ وبين سعي بعضهم من غير المتخصصين في الآداب والفنون واللغات والأساليب السردية‏_‏ في الشعر والرواية والقصة‏..‏ إلخ‏_‏ في فرض آرائهم الفكرية أو الدينية الفقهية أو اللاهوتية أو التأويلية أو الأخلاقية وأحكامهم القيمية علي بعض السرديات‏,‏ دونما سند من لغة التخصص النقدي‏.‏
ما دلالة هذه الظاهرة التي باتت شائعة؟ بوضوح ثمة بعض من غير المتخصصين يحاولون السيطرة الرمزية والسياسية‏_‏ ذات السند الديني التأويلي الوضعي‏_‏ علي الإنتاج السردي والفيلمي في عديد تجلياته‏,‏ والأخطر خلط بعضهم عن عمد أو دونما قصد بين لغة ومنطق السرد التخييلي‏,‏ وبين لغة الواقع‏,‏ وهي نظرة بسيطة تم تجاوزها في النقد وتحليلاته‏,‏ وفي السرد واستراتيجياته‏,‏ وتقنياته وآلياته‏.‏ ثمة فارق مائز بين لغة الواقع اليومي المعاش ولغة السرد‏,‏ لأن السرد حول اليومي ليس إعادة إنتاج له كما يتصور بعضهم‏,‏ وذلك حتي ولو اتخذ الكاتب موضوعه من بعض التفاصيل والجزئيات انطلاقا من المشهد اليومي ولغته وحواسه الفواحة والمترعة بالدنس والآثام‏,‏ والإبداعات والتشوهات والاختلاطات بين أخلاقيات اليومي وتناقضاتها وجمالياتها‏.‏ اليومي والمشهدي والجزئي ـ أيا كان حظه من التطهر أو الدنس ـ في السرديات الجديدة‏_‏ وما قبلها وما بعدها ـ ليس هو بذاته ما حدث ويحدث في الواقع اليومي‏,‏ إنه شيء آخر تماما لغة ورؤية ومجازا‏,‏ ومن ثم لا يصلح لأن نطلق عليه الأحكام القيمية المستمدة من الثنائيات الضدية الشائعة في لغة الجمهور‏,‏ أو بعض الساسة‏,‏ أو رجال الدين‏.‏
هذا النمط من الخلط بين لغة الخطاب النقدي ومقارباته المنهجية والتحليلية‏,‏ وبين لغة بعض رجال الدين أو غير المتخصصين‏,‏ تشيع الفوضي والعنف اللغوي وتراجع العقل في الحياة الفكرية في بلادنا‏,‏ وتفرض قيودا علي سلطان العقل‏,‏ والإبداع‏,‏ بما يؤثر سلبا علي مقومات القوة الناعمة لمصر في إقليمها علي نحو ما نشاهده من تراجع كبير في العقود الأخيرة باستثناءات قليلة في السرد الروائي‏,‏ وإنتاج بعض من كبار المثقفين والنقاد والباحثين‏.‏
يمكنك أن تلاحظ أيضا تراجع بعض المستويات اللغوية لبعض الدعاة في خطابهم علي بعض الفضائيات الدينية‏,‏ أو في كتابات بعضهم‏,‏ حيث يشيع تصور لدي بعضهم أن بعض معرفته الدينية‏/‏ الفقهية واللاهوتية النقلية التي يعيد تكرارها‏,‏ تعني أنه قادر علي الافتاء في جميع القضايا والمشاكل والأمور دونما تخصص وظيفي ومهني وفني فيما يتناوله من أمور‏,‏ وأنه يكفي لتسويغ رأيه الافتائي أن يشير إلي بعض المرويات والمأثورات الشعبية الشائعة‏,‏ أو بعض ما يرد في الصحف من أخبار أو نقول أو ما يشاع عنها لدي بعض الجمهور‏.‏ يمكنك أن تلاحظ أيضا مستوي التراجع اللغوي لبعضهم وقارن بينه‏,‏ وبين بلاغة ورصانة بعض من كبار رجال الفقه والدعوة وأصول الدين أو اللاهوت ممن لعبوا دورا هاما في تطور المعرفة الدينية الإسلامية والمسيحية في بلادنا‏,‏ في مرحلة تطورها الاجتماعي والسياسي والصناعي‏.‏ التدهور اللغوي لدي بعضهم في خطابه الديني هو الوجه الآخر لفوضي اللغة واختلاط مجالات التخصص‏,‏ ونزعة وسلطة الافتاء في كل شيء من الجمهور‏,‏ ومن بعض رجال الدين الإسلامي والمسيحي‏,‏ وهو ما يشير إلي تراجع مستوي المعرفة والوعي لدي غالب الجمهور‏.‏
لغة الفوضي هي أحد وجوه فوضي اللغة‏,‏ والفوضي في الحياة اليومية واضطراب الحياة الروحية والدينية لغالب المصريين‏,‏ والفوضي والفساد في السياسة‏,‏ وضعف الوازعات الخلقية والقانونية‏,‏ والتفسخ الاجتماعي والفساد في اللغة‏,‏ ولغة الفساد‏,‏ وشيوع العنف في الواقع‏,‏ والعنف في اللغة وبها وتأثيره السلبي رالخطير علي حياتنا‏!‏

عبده الراجحي والجائزة التقديرية بقلم: د. محمد الجوادى

عبده الراجحي والجائزة التقديرية
بقلم: د. محمد الجوادى

علي عادة المجتمع الثقافي المصري في تعويض بعض الجحود ببعض الانصاف جاء فوز الدكتور عبده الراجحي بجائزة الدولة التقديرية في الآداب بعد ان اصر مجلس جامعة الاسكندرية الموقر علي ترشيحه طيلة السنوات الماضية‏.‏ ولئن فاتني رثاء ذلك العالم الجليل بسبب مرضي فها هو الواجب يتاح لي ان اتحدث عما عرفته فيه‏.‏

عرفت في الدكتور عبده الراجحي العالم الجليل الذي امتد بعلمه إلي آفاق متعددة غذاها بدرسه وبحثه‏,‏ وأضاف إليها من آرائه الأصيلة ونظراته الثاقبة‏,‏ وعرفت فيه العناية بما يبحث فيه‏,‏ وعشق ما يضيف إليه‏,‏ وعرفت فيه حبه للتجديد في غير تعسف‏,‏ وللفهم في غير تزيد‏.‏
كانت أحكامه دقيقة وصائبة ومستوعبة‏.‏ درس الحياة المعجمية في الحضارات الانجلوسكسونية دراسة باحث متأمل حفي باكتناف دور الحضارة‏,‏ وفهم دور المؤسسة‏,‏ وعيوب الانسانية ومزاياها أيضا‏,‏ وإدراك حقيقة الموارد البشرية وإمكاناتها المحدودة التي تستحيل لا نهائية إذا ما نظمها المنهج والتخطيط‏.‏
كان الدكتور عبده الراجحي يحب ان يكون واحدا من جماعة مع أنه كان شيخ طريقة تميزت بالأمانة والإخلاص والدأب والتفاني في المحبوب‏,‏ وكان يحب ان يكون صاحب رأي قابل للأخذ والرد‏,‏ مع أن آراءه كانت تعلو علي الرد‏,‏ وإن عانت من الأخذ الذي تعاني منه آراء كل عالم لايري آراءه حكرا عليه مادام يعرف أن جموع الباحثين يعرفون بصمته ويدركونها مهما أخفاها الناقلون من المستليذين بصمته‏.‏
كان الدكتور عبده الراجحي وطنيا من طراز فريد‏..‏ أعطي وطنه دراسات مبكرة عن الصهيونية‏,‏ ولا يزال كتابه عن الشخصية الإسرائيلية مصدر إلهام وتوجيه‏,‏ وأتيح له أن ينشر هذه الآراء قبل أن يصبح الموضوع ميدانا لإبراز القدرات‏,‏ بل وقبل ان يصبح ميدانا للتكسب والتربح وبناء الأمجاد الوطنية والمعرفية‏,‏ ولا نقلل من جهد الذين بذلوا جهدهم في هذا المجال من أساتذة اللغات‏,‏ لكن عبده الراجحي كان يتفوق علي أبرز اثنين منهم بريادته المبكرة‏,‏ وفهمه الإنساني العميق للدوافع والغايات بعيدا عن التنظير المتعمد‏,‏ والتحبير المتوسع‏.‏
عاش الدكتور عبده الراجحي حياته يظل بعلمه أبناءه في مصر وفي غير مصر‏,‏ وكان من أبرز أعمدة جامعة بيروت العربية‏,‏ وأتاح وجوده المتصل فيها لمناهج اللغة العربية ان تنافس من حيث الجودة والمصداقية في وسط منافسة شرسة‏,‏ ومع انتشار الحديث عن اضمحلال التأثير المصري في الثقافة العربية والتكوين الجامعي‏,‏ كان عبده الراجحي يضاعف من هذا التأثير في بيروت والشام جميعا وكان وجوده الدائب في قلب التعليم الجامعي العربي إشعاعا مصريا حفظ لمصر مكانتها في الدراسات العربية‏,‏ والدرس اللغوي المستنير‏.‏
كان الدكتور عبده الراجحي محبا لتلاميذه‏,‏ عاملا علي تشجيعهم حتي وهم في أرفع المناصب‏,‏ لكنه لم يكن يبخل بعلم ولا عون علي ذي حاجة‏,‏ ولا علي ذي نفوذ‏,‏ وكان يتجشم السفر إلي الصعيد ليدعم أبناءه هناك بشخصه وعلمه وفضله‏,‏ وقد كان من حسن حظي أن شرفت برفقته في ندوة كلية دار العلوم في المنيا‏.‏
كان الدكتور عبده الراجحي يحظي بالإجماع علي فضله وعلمه وحبه‏,‏ لا أجد وصفا يصف خسارتنا فيه غير قول رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ إن الله لا يأخذ العلم ينتزعه انتزاعا‏,‏ لكنه يأخذه بقبض العلماء‏.‏



المزيد من مقالات د. محمد الجوادى

كنز ثمين سمين لسمي البخاري رحمه الله

أعرف قدر العالم الجليل الشيخ : محمد إسماعيل المقدم ،لكن لم يدر بخلدي هذا التوثيق الرائع لمادته العلمية الصوتية و التي هي أشبه ما يكون بأمواج البحر كلما تنقضي موجه تبعتها أخرى ، لن أطيل على نفسي بالكلام ولنتجه لهذا الكنز نرتشف منه على قدر تحملنا ،و العنوان

الأحد، 20 يونيو 2010

قريتي زادي ..قرية منية عطية .



العبير والشذى يفوح في كل صباح ، والنسائم تهل لكل فلاح ،فلا تملك أن تمنع نفسك من النداء الصداح ، حي على الفلاح حي على الفلاح إنها قريتي التي نشأت في ربوعها أتعلم من بساطتها و أتزود من طيبها و أرتقي جميع العالم و أنا أستند إليها ، قرية منية عطية بالارتباط مع أخواتها و مدينة دمنهور- تاريخ ماجد مشرف ، الآن و أنا أعيش بعيدا في بلاد صاغتها الحضارة و الحداثة -دبي - عن قريتي بمراحل الا اني أجد شوقا يتجاذبني نحو قريتي ، شجرتي ، أرضي التي كنت أفلحها و أزرعها ، جلستي و أنا انتظر ري حقل ألارز و في يدي أوراق من الجامعة أو أوراق من الماضي العظيم لأمتنا , حقا إنها خير الزاد و خير التقوى ولولاها لذبنا كما ذاب الكثير في غمار المدنية الحديثة


الثلاثاء، 1 يونيو 2010

بعض صور محاضرات مهارات الاتصال في اللغة العربية


يتجه العالم الآن - بل اتجه بالفعل - إلى تدريس مهارات الاتصال في اللغة،ونحن ما زلنا نتجاذب أزّمة التفكير و الحوار حول دور المعلم و ذلك كله تحت أكتاف المبادرات الفردية و الفهم الشخصي ، وكم آلمني ما نقل إلي من أن المعلم المطلوب الآن في بعض المؤسسات التعليمية يجب أن يكون مطواعا
. ورغم أن لهذه الكلمة وزنا في سوق الجمال البلاغي إلا أنها هنا أصبحت ممقوته لأنها خرجت من مدرسة الإتقان اللغوي كما يدعونه

أستاذي العلامة الدكتور :عبده الراجحي ،في ذمة الله


لن أتحدث و لن أنعيه كما اعتاد الناس مع معلميهم ، بل سأساعد في تعريفه للناس كي يستفيدوا بعلمه رحمه الله ।




جاء في مجلة مجمع اللغة العربيّة هذه الترجمة للشيخ من خلال كلمة عريف الاحتفال بمناسبة انتساب الشيخ حفظه الله للمجمع اللغوي :

" كلمة المجمع في استقبال الأستاذ الدكتور عبده علي الراجحي
للأستاذ الدكتور كمال بشر الأمين العام للمجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها السادة، كنتُ قد عَقدتُ العَزْمَ على أن آتيَ بِكلامي في هذا المَقَامِ ارتِجالاً، كَعَادَتِي منذ أكثَرَ من خَمْسِينَ عامًا في مَقَامَاتِ البَيَانِ وخِطَابِ الجَماهير. ولكنِّي (هذه المَرة وفي مرات أخرى معدودة) خشيتُ أن يجنح بي المقام فأُرَدَّ على عَقِبيّ خَاسِئًا حَاسِرًا.
فَعمَدْتُ بعدُ إلى كِتَابَةِ هذه الكلماتِ القَصيراتِ ذاتِ الخطُوطِ المَحْدُودَة والقُيودِ المَمْدودة، وفاءً بِحَقِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الراجِح عقْلاً وفِكرًا وثقَافَةً وسُلوكًا، ووفاءً بِحَقِّكُم أيضًا في وجُوبِ الالتزامِ بانضباطِ التزمين، حتى لا يَنْدَمَ على حضورِه زائِر أو يتأفَّفَ ويَتَملمَلَ في مقعده شَاهد أو ناظِر. وعلى هذا أقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الأستاذ الدكتور شوقي ضيف رئيسَ المجمع:
السادة الزملاء الأفاضل أعضاءَ المجمع:
السادة الحضور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد،
فإنَّها لسعَادَةٌ غامِرةٌ أن وكَّل إليّ مجلسُ المجمع الموقَّر شَرفَ استقبال فارس من نمط فريد، تعتزّ قبيلة الشيوخ بانضمامه إلى حوزتها، وتزهو برشده وحصافته وبُعدِ نظره، في كيفيات الصولان والجولان في ميدانهم الذي يعِزّ على الكثيرين انتِسابُهم إليه أو الاقترابُ منه.
ذلكم الفارس أيها السادة، هو الأستاذ الدكتور عبده الراجحي. إنه فارس ذو رياستين حظيتا بتاجين مختلفين طلاء، مؤتلفين بناء، فكان التكامل في الطبع والصُّنع ، تكاملَ الإنسان على الوجهِ الذي أراده الله للأناسيّ الذين مازهم منهم، وفضلهم على سائر مخلوقاته.
أما الرياسة الأولى فقد خُلِعَ عليه تاجُها من الريف المصري العظيم. نشأ الراجحي وتربّى على "مصطبة" القرية، حيث يجلس العُمَدُ وحواريّوهم. وما أدراك من هم العُمَدُ في أيَّام الزمان الجميل الذي فاز صاحبنا بالعيش فيه لسنوات معدودات. جالسَ زميلُنا المحتفى به هؤلاء الأماجدَ ذوي الحُنكَةِ والدُّرْبَةِ، مستمعًا في البدء لما يقولون، مشاركًا بعدُ في الحوار، وإن على استحياء، حتى صلُبَ عوده واستقام بنيانه، وتفتَّحَ ذهنه ونما فكره، مزوّدًا بقيم الريف المصري الأصيل ومبادئه التي تصنع الرجال من أمثال "عريسِنا" الراجحي، الذي أبى إلا أن تكون قرينتُه هي مصر، حيث البذلُ والعطاء والنعمة والرخاء. فليقدِّمْ لها ولشبابها حقَّ الوفاء وما يسطيعه من جهد وعطاء.
وكان ما كان، انصرف الصبي إلى كتّاب القرية، شأنه في ذلك شأنُ السلالةِ الطيبة من أبناء ذوي الحصافة والرُّشد من فلاحي مصر، في تربية الأجيال. حفظ القرآن الكريم، وألمَّ بشيء من قواعد الحساب ورسوم الكتابة وضوابِط الإملاء، فتفتَّح ذهنه، وأخذ يفعّل طاقاتِه وإمكاناته في استقبال المعارف والتوليد منها، وإن بالتدريج، حتى رشحه هذا النهجُ الواعي من الاستقبال والإرسال للانخراط في ميدانٍ من المعرفة أوسعَ وأرحب، وأكثر تنوعًا.
التحق بالتعليم العام وقضّى فيه سنواتِه المقررةَ المرسومة، دون انقطاع أو ملل أو تكاسل، حتى نال الثانوية العامة بكفاية الشباب وعزم فِتيان الرجال. وكان للكتّاب أثرُه البالغ في هذا النجاح وذاك التوفيق، إذ إن "قرآنه" بإحكامِ آَيِهِ، وعمق فكره، وإجادة قراءته، وتجويد أدائه - كل ذلك قد منح الفتى الرجلَ حكمة التفكير، وحسنَ التدبير، والإفصاحَ عن كل ذلك بلسان عربي مبين، أغراه، بل دفع به دفعًا إلى حيث "العوربة"، انتماءً وفكرًا. ونموذجُها الصحيح الموثوق به، هو قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية.
انتقل صاحبنا "الراجحي" إلى الإسكندرية، مطبوعًا على "الانتماء" الذي شرب من أفاويقه على مصطبة القرية وصُبَّ في عقله صبًّا وملأ وجدانه، وأفصح عن نفسه سلوكًا وتصرفًا في دنيا الله.
وفي "عروس" البحر المتوسط، وجد العريس طِلبته، وفاز بحورته، فحلا له المُقام، الرائق المنعش، حتى يستطيع التوليدَ من فكره الخِصب، وينصرفَ في أناة وحكمة إلى رعاية ما يولّد وينتج، والدفعِ بكل ذلك إلى الميادين العربية، فارسًا من فرسانها المجلّين.
بدأ شوطَ الرياسة الثانية بآلياتها، وفعّلها على خير وجه، حتى تشقَّ له الطريقَ الصحيح وتكفلَ له إكمال المسيرة بنجاح وتوفيق، إلى أن حاز تاج التفرّد والامتياز في ميدان العلم والمعرفة بعامة، وفي ميدان الدرس اللغوي وما لفّه من ثقافات متنوعات على وجه الخصوص.
حصل على درجة الليسانس في الآداب من جامعة الإسكندرية سنة 1959م ثم عيّن معيدًا بقسم اللغة العربية بكلية الآداب سنة 1961م، وخطا بعدُ خطواتٍ واثقةً في الدرس والتحصيل حتى نال درجَتي الماجستير والدكتوراه من هذه الجامعة، وتمّ له حصدُ هذه الدرجات العلمية جميعًا سنة 1967م.
وفي هذا العام نفسه عمل مدرسًا بقسم اللغة العربية. وتدرج الرجل في سلم الصعود العلمي الأكاديمي إلى أستاذ مساعد فأستاذ سنة 1977م.
ولم يقف الأمر بزميلنا الفاضل الدكتور الراجحي عند هذا الحد من المواقع الأكاديمية الفائقةِ القدْر الرفيعةِ القيمة في قوافل العلم والفكر، بل تعداه إلى ما هو أوسعُ وأرحب. رشحته عبقريته وأهّلته إمكاناته المنوّعة إلى تولّيه مناصبَ إداريةً علميةً ذاتَ شأن مقرر معلوم، في رسم الخطوط ولمِّ الخيوط، ومتابعةِ ما رُسم ونُظم بصدق وحزم. تولّى صديقنا المحتفى به عددًا كبيرًا من هذه المناصب الجامعة بين الحسنيين، نذكر منها ما يلي على ضرب من التمثيل:
عمل رئيسًا لقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، ثم وكيلاً للدراسات العليا والبحوث بالكلية نفسها، ومديرًا لمركز تعليم اللغة العربية للناطقين باللغات الأخرى، ومديرًا لمعهد الدراسات اللغوية والترجمة. وقد شرفت به كل هذه المناصب (وغيرُها) في إطار جامعة الإسكندرية. ولكنَّ همة الرجل ونجاحاتِه في تسيير شؤون هذه المناصب وتصريفِ أمورها قد شاع قدرها وعلا ذكرها، وامتدّ ريحها الطيبُ إلى مناطق أخرى في العالم العربي، حيث اختير عميدًا لكلية الآداب - جامعة بيروت العربية، ورئيسًا لقسم تأهيل معلمي اللغة العربية للناطقين باللغات الأخرى، بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية بالسعودية.
وطار ذكرُ الراجحي، واتسعت آفاق علمه وفضلِه، فلبّى دعواتٍ متعددات متنوّعات من جامعات وهيئات علمية، عربيةٍ وغير عربية، معارًا أو زائرًا أو مشتركًا في مؤتمرات وندوات.
أعير إلى جامعة بيروت العربية مرتين، كما أعير إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. ودُعي أستاذًا زائرًا إلى جامعة صنعاء، وجامعة "إرلانجن" بألمانيا.
أما حضوره إلى المؤتمرات والندوات واشتراكُه فيها بالبحوث والمناقشات والتعليقات فأمر فائق القدر في العدّ، عظيمُ الأهمية في معناه ومغزاه، ودليلُ عالمية الأستاذ، وأمارةُ سعةِ معارفه وعمقِ فكره. ويزيد من قيمة هذا الحضور، ويؤكد شمولَ المعرفة، وخاصّةَ الانتماء الحقيقي إلى الإنسانية في عمومها، بقطع النظر عن الزمان والمكان، أن كانت هذه المؤتمراتُ والندوات مشغولةً بدراسات وبحوث ذاتِ ألوان متنوّعات تقابل ألوانَ الفكر عند الإنسان واتجاهاتِه في الحياة، مهما بعُدَ موطِنهُ أو اقتربَ في الشرق والغرب على سواء.
وتلك نماذج معدودة مما جَهِدَ الرجل نفسَه في حضور هذه المؤتمرات والندوات والأخذِ بنصيب ذي أثر فاعل فيها:
- مؤتمر مشكلات تعليم اللغة العربية بالجامعات العربية - بالإسكندرية.
- مؤتمر تقنية الحاسوب واللغة العربية- الرياض بالسعودية.
- مؤتمر العلاقات الإسلامية البيزنطية- سالونيك اليونان.
ومن نماذج الندوات:
- الندوة الأولى لتعليم اللغات - جامعة الكويت.
- الندوة الأولى للّسانيات - الرباط - المغرب.
- ندوة مشكلات تعليم اللغة العربية للناطقين باللغات الأخرى - كوالا لامبور (ماليزيا).
أما المؤتمرات والندوات التي شرُفت بحضوره، مقتصرًا على المناقشات والتعليقات، من حيث عددُها وزمانها ومكانها، فحدِّث عنها ولا حرج، وليس لدينا من الوقت ما يسوّغ لنا الكلامَ عنها أو الإشارة إليها.
السادة الحضور:
كل ما ذكر من نماذجَ أو صورٍ للنشاط الفكري المتنوع الصفات والسمات، لا يعدو أن يكون حَسْوَةَ طائر من بحر عميق. إنها مجرد لافتات تنبئ عن طبيعة البضاعة وصنوفها، وتُفْصح عن تفردها وامتيازها بالطبع والصُّنْع. وهي بضاعة أو مخزونٌ منها لا يستطيع امتلاكَها أو التصرف فيها إلا القليل من الرجال، وفي مقدمتهم زميلنا الكريم الدكتور الراجحي.
وليس هذا فقط، فلقد برزت إلى الوجود بضاعات أخرى أعمقُ تأثيرًا وأكثرُ انتشارًا ونفعًا. بضاعاتٌ ذات طعوم ومذاقاتٍ متنوّعةٍ، تلبّي حاجة المتخصصين، وتمنح مفاتيح المعرفة اللغوية والثقافية للجماهير العريضة. طرحها صاحبنا المحتفى به على هؤلاء وأولئك في صورة كتب مؤلفة ومترجمة، ودراساتٍ وبحوث كثيرة.
ولسنا بقادرين في هذا المقام على أن نقف عند كل هذه الآثار وقفات خاصة. وتكفينا الإشارةُ إلى نماذج منها بذكر عناوينها، وهي أمارة مضامينها، والكاشفةُ عن مجالاتها، وما خُصِّصت له من البحث والدرس.
ومن اللافت للنظر - إعزازًا وتقديرًا - أن جاءت هذه الأعمال والآثار لتغطيَ مساحاتٍ واسعةً من مجالات الفكر الإنساني بصنوفه المتعددة: في الفكر اللغوي والأدبي والثقافي والاجتماعي، وحقولِ المعرفة العامة. وكان للفكر اللغوي منها النصيبُ الأكبر، وفاء بمسؤولياته في إطار اهتماماته، بحكم موقعه الذي رُسم له أو رسمه لنفسه. كتب وأجاد في الدرس اللغوي، القديم منه والحديث والعام والخاص، والنظري والتطبيقي. ولم يكن كل ذلك مقصورًا على مستوى من التحليل اللغوي دون آخر، بل غطّى مجملَ الفروع اللغوية بمنهج مقبول معتدّ به، بعيدٍ عن الاضطراب أو الخلط بين المناهج، كما نلمسه أحيانًا من بعض الدارسين المتخصصين وغير المتخصصين.
وهذه نماذج من أعماله اللغوية، مشفوعةً بأمثلة من مجالات الفكر الأخرى:
- النحو العربي والدرس الحديث - النحو العربي وأرسطو - دروس في المذاهب النحوية - دروس في شروح الألفية - فقه اللغة في الكتب العربية - النظريات اللغوية المعاصرة وموقفها من العربية - اللهجات في القراءات القرآنية - التطبيق الصرفي - التطبيق النحوي - علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية - أسس تعلّم اللغة وتعليمها (مترجم بالاشتراك) - مشكلة تعليم النحو لغير الناطقين بالعربية - كلام الأطفال - اللغة وعلوم المجتمع .
وفي الأدب والأسلوب: علم الأسلوب والمواءمة.
وفي الثقافة والمعارف العامة: الشخصية الإسرائيلية - هيراقليطس فيلسوف التغير - عبد الله بن مسعود.
أيها السادة:
ماذا يعني هذا الإنتاج الغزير، والجهدُ الفائق الذي لا يعرف الكلل أو الملل؟ إنتاج متواصل الحلقات في الزمان والمكان، وجُهْد الأوفياء المخلِصين من شباب الشيوخ و شيوخ الشباب الذين اكتملت لديهم الأدوات الفاعلة من فتوّة الشباب وحُنْكة الشيوخ.
فلو اقتصرنا في هذا المقام - نظرًا لضيق الوقت - على أعماله في الميدان اللغوي العام، لأوجزنا الكلام في جملة واحدة: الدكتور الراجحي علم نادر المثال، يرود ويقود ويرشد ويوجّه. ولم يقف هذا وذاك عند فترة من الزمان محدودة، أو موقع من المكان خاص، أو جانب من الدرس اللغوي دون آخر. لقد اتسعت جهوده وامتد فكره إلى مجمل مسارات الدرس اللغوي، في فلسفته واتجاهاته ومناهجه ورجاله على امتداد الزمان المتعاقبةِ خطواتُه واتساعِ المكان المتراميةِ أطرافُه في القديم والحديث.