عبده الراجحي والجائزة التقديرية
بقلم: د. محمد الجوادى
علي عادة المجتمع الثقافي المصري في تعويض بعض الجحود ببعض الانصاف جاء فوز الدكتور عبده الراجحي بجائزة الدولة التقديرية في الآداب بعد ان اصر مجلس جامعة الاسكندرية الموقر علي ترشيحه طيلة السنوات الماضية. ولئن فاتني رثاء ذلك العالم الجليل بسبب مرضي فها هو الواجب يتاح لي ان اتحدث عما عرفته فيه.
عرفت في الدكتور عبده الراجحي العالم الجليل الذي امتد بعلمه إلي آفاق متعددة غذاها بدرسه وبحثه, وأضاف إليها من آرائه الأصيلة ونظراته الثاقبة, وعرفت فيه العناية بما يبحث فيه, وعشق ما يضيف إليه, وعرفت فيه حبه للتجديد في غير تعسف, وللفهم في غير تزيد.
كانت أحكامه دقيقة وصائبة ومستوعبة. درس الحياة المعجمية في الحضارات الانجلوسكسونية دراسة باحث متأمل حفي باكتناف دور الحضارة, وفهم دور المؤسسة, وعيوب الانسانية ومزاياها أيضا, وإدراك حقيقة الموارد البشرية وإمكاناتها المحدودة التي تستحيل لا نهائية إذا ما نظمها المنهج والتخطيط.
كان الدكتور عبده الراجحي يحب ان يكون واحدا من جماعة مع أنه كان شيخ طريقة تميزت بالأمانة والإخلاص والدأب والتفاني في المحبوب, وكان يحب ان يكون صاحب رأي قابل للأخذ والرد, مع أن آراءه كانت تعلو علي الرد, وإن عانت من الأخذ الذي تعاني منه آراء كل عالم لايري آراءه حكرا عليه مادام يعرف أن جموع الباحثين يعرفون بصمته ويدركونها مهما أخفاها الناقلون من المستليذين بصمته.
كان الدكتور عبده الراجحي وطنيا من طراز فريد.. أعطي وطنه دراسات مبكرة عن الصهيونية, ولا يزال كتابه عن الشخصية الإسرائيلية مصدر إلهام وتوجيه, وأتيح له أن ينشر هذه الآراء قبل أن يصبح الموضوع ميدانا لإبراز القدرات, بل وقبل ان يصبح ميدانا للتكسب والتربح وبناء الأمجاد الوطنية والمعرفية, ولا نقلل من جهد الذين بذلوا جهدهم في هذا المجال من أساتذة اللغات, لكن عبده الراجحي كان يتفوق علي أبرز اثنين منهم بريادته المبكرة, وفهمه الإنساني العميق للدوافع والغايات بعيدا عن التنظير المتعمد, والتحبير المتوسع.
عاش الدكتور عبده الراجحي حياته يظل بعلمه أبناءه في مصر وفي غير مصر, وكان من أبرز أعمدة جامعة بيروت العربية, وأتاح وجوده المتصل فيها لمناهج اللغة العربية ان تنافس من حيث الجودة والمصداقية في وسط منافسة شرسة, ومع انتشار الحديث عن اضمحلال التأثير المصري في الثقافة العربية والتكوين الجامعي, كان عبده الراجحي يضاعف من هذا التأثير في بيروت والشام جميعا وكان وجوده الدائب في قلب التعليم الجامعي العربي إشعاعا مصريا حفظ لمصر مكانتها في الدراسات العربية, والدرس اللغوي المستنير.
كان الدكتور عبده الراجحي محبا لتلاميذه, عاملا علي تشجيعهم حتي وهم في أرفع المناصب, لكنه لم يكن يبخل بعلم ولا عون علي ذي حاجة, ولا علي ذي نفوذ, وكان يتجشم السفر إلي الصعيد ليدعم أبناءه هناك بشخصه وعلمه وفضله, وقد كان من حسن حظي أن شرفت برفقته في ندوة كلية دار العلوم في المنيا.
كان الدكتور عبده الراجحي يحظي بالإجماع علي فضله وعلمه وحبه, لا أجد وصفا يصف خسارتنا فيه غير قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله لا يأخذ العلم ينتزعه انتزاعا, لكنه يأخذه بقبض العلماء.
المزيد من مقالات د. محمد الجوادى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق